استراتيجية جديدة للسياحة
بقلم: د. محمد بن عوض المشيخي
تعد السياحة واحدة من أهم الركائز الاقتصادية في معظم دول العالم خاصة تلك الدول التي تعطى الأولوية لتنمية وتطوير مواردها الطبيعية وتعمل على ترويج لقوتها الناعمة المتمثلة في الأرث الثقافي والطبيعة الخلابة التي تجذب وتأسر الالباب، وذلك لتحقيق الرخاء والرفاهية للمجتمع.
ولا يمكن الارتقاء بهذا القطاع الواعد إلا بالتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق والأمين للمشاريع السياحية، والعمل مع جميع القطاعات الأخرى المتعلقة بالسياحة، وعلى وجه الخصوص بناء منظومة أساسية يعتمد عليها كالمطارات وشبكات الطرق والخدمات اللوجستية، والمرافق الترفيهية والإيواء السياحي بمختلف انواعه، وقبل ذلك كله إيجاد كفاءات وطنية تثري هذا المجال وتتمتع بالمهارات والخبرة بتاريخ البلد وتفاصيل المناطق السياحية والقدرة على الترويج للسلطنة في المحافل الدولية. وتشير الإحصاءات إلى أن شكلت السياحة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قبل جائحة كورونا، بقيمة 9 تريليونات دولار أمريكي؛ مسجلة بذلك معدلًا أكبر بثلاث مرات من قطاع الزراعة في العالم. أما عربيًا، فقد استحوذ قطاع السياحة على 11% من الناتج المحلي الاجمالي العربي؛ إذ احتلت دولتان جارتان للسلطنة التريب الثاني والثالث تباعًا بعد مصر في الدخل من السياحة. وتطمح رؤية “عمان 2040″ إلى الوصول بهذا القطاع بعد 20 سنة- من تاريخ بدء تنفيذ الرؤية- إلى حوالي 7% من الناتج المحلي للسلطنة في افضل الاحوال فقط؛ بينما بلغ مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي للسلطنة عام 2019 (2.5 %) وحسب!
يجب الاعتراف بأن صناعة السياحة بوضعها الحالي؛ لا ترقى لمستوى طموح المواطن العماني؛ لكون سلطنة عمان من البلدان القليلة في هذا العالم التي يشار إليها بالبنان من حيث المقومات السياحية الفريدة التي تميزها عن باقي دول المنطقة؛ بل اقطار العالم قاطبة، وهذا الكلام يقوله- بكل صراحة وبلا تردد- كل من زار بلادنا الجميلة التي تتميزة ببيئات متنوعة وفصول استثنائية طوال العام. إضافة إلى الشواهد الأثرية المتمثلة في القلاح والحصون والافلاج التي بناها العمانيون عبر الأجيال المتعاقبة في كل ركن من هذا الوطن العزيز.
ولدينا خريف ظفار الذي يتميز بهطول الامطار الموسمية القادمة من أعماق المحيط الهندي لمدة 3 أشهر، وهو ما يجعل هذه المنطقة تتحول إلى بساط اخضر يمتد من صرفيت غربًا إلى سمحان شرقًا بطول 400 كيلو متر، لتكون جنة الله في ارضه بلا منازع، في الوقت الذي تكون فيه درجات الحرارة في مختلف العواصم الخليجية- بما فيها مسقط- ما بين الاربيعن والخمسين، في مثل هذه الأيام من كل عام. ثم يأتي بعد الخريف فصل اسثنائي آخر وهو فصل الصرب أو الربيع، عندما تتوقف الامطار وينقشع الضباب وتزهو الطبيعة الريفية الخلابة بجمالها الأخّاذ، فيما يحلو للبعض بوصفها بـ”سويسرا الخليج”. ولعل اللبان الظفاري الذي كان يشكل العمود الفقري للتجارة في هذه المحافظة ويعد رمزها الأبدي، وكذلك الشواطئ الرملية ذات اللون الفضي، أفضل ما يميز ظفار في الفصول الثلاثة بعد الخريف. يضاف إلى كل ما ذكر آنفًا من حيث الأمن والأمان والاستقرار الذي أصبح مرادفًا وعنوانًا لبلادنا؛ بفضل من الله ووعي الشعب العماني وحكمة القيادة الرشيدة المتمثلة في حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ومن قبله السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الذي أسس اركان هذه الدولة الحديثة.
وتُصنّف السلطنة في القائمة الصفرية للارهاب طوال السنوات الماضية من قبل المراكز والمنظمات التي ترصد وتدرس الإرهاب حول العالم على الرغم من وجودنا في إقليم ملتهب تنتشر فيه الحروب وتظهر فيه المنظمات الارهابية بين وقت وآخر. كما إن طيبة الشعب العماني وكرم الضيفة التي التي ارتبطت بأبناء هذا البلد منذ القدم تجعل الزائر يشعر بالارتياح والاطئمنان وهذا ما نلمسه عند ما نقابل كل من زار السلطنة على الدوام.
يبدو لي إننا بحاجة إلى إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات ذات الصلة بالتنمية السياحية، لكن علينا أولًا أن نتعرّف على المعوقات والتحديات التي تواجه صناعة السياحة. ولقد تابعنا خلال الأسابيع الماضية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي ردود أفعال الرأي العام العماني على مشروع تطوير الحافة وما تعرض له هذا المشروع من تأخير لأكثر من 15 سنة، وما ظهرت عليه المرحلة الأولى من المشروع وموافقة الجهة المشرفة على المشروع واعتماد مخطط الشركة المنفذة، على الرغم من أن العمل دون المستوى المطلوب ولا يليق بمحافظة ظفار ولا بواجهتها السياحية (مدينة الحافة). كما إن زدواجية طريق هيماء- ثمريت الذي يمتد بطول 400 كيلومتر، والذي أُسند للشركات التي فازت بالمناقصة قبل عامين، توقف رغم أنه طريق حيوي يربط محافظة ظفار مع مختلف محافظات السلطنة، وكذلك بدول الجوار مثل السعودية والإمارات خاصة أثناء موسم الخريف، وفي كل عام يتسب هذا الطريق المزدحم في إزهاق الأرواح.
إننا نتطلع إلى اشهار مطار صلالة كمحطة دولية بشكل رسمي لتشجيع حركة السياحة الخارجية، على أن يتم استكمال مرافق المطار الأساسية؛ كورشة أو مركز لصيانة الطائرات، وكذلك مبنى ثاني لتوفير خدمات التموين لجميع الخطوط الدولية العابرة، وكذلك تزويد هذه المرافق بالمهندسين والفنيين، كما يجب على الناقل الوطني (الطيران العماني) استحداث رحلات مباشرة بين مطار صلالة وجميع العواصم الخليجية كمرحلة أولى.