مجلس رئاسي ثماني في اليمن هل يغير المعادلة على الأرض ؟؟
بقلم:جمال الكندي
بعد صراع عسكري لأكثر من سبع سنوات وتشكيل تحالفات عسكرية وسياسية تحت عناوين مختلفة غرضها إرجاع الشرعية المسلوبة في اليمن حسب وصف الأعلام المؤيد لعملية الحزم والأمل، ها نحن اليوم نشهد تغيراً دراماتيكيا بعزل من قامت الحرب من أجله وتبديله بمجلس رئاسي مكون من ثمانية أشخاص محسوبين على دول التحالف السعودي، فهم كانوا ومازالوا رأس الحربة في محاربة حكومة صنعاء، وبعزل “منصور هادئ ” ونائبه “محسن الأحمر” طويت صفحة من كتاب الحرب على الحوثيين وحلفائهم في صنعاء تحت راية “هادئ ونائبه باسم إرجاع الشرعية إلى كتاب جديد اسمه مجلس رئاسي ثماني رجاله تجمعهم صفة واحدة وهي محاربة الحوثيين تحت راية التحالف السعودي.
المتأمل في هذا المجلس يدرك بأنه غير متوافق سواءً من الناحية الأيديلوجية أو الفئوية أو الجهوية، وهذا بدوره يجعل منه مجلساً غير متماسك وقابل للتغيير حسب المعطيات على الأرض، ولعبة التحالفات السياسية والعسكرية قائمة في هذا المجلس، والأحداث السابقة التي حصلت بين مكوناته تعطينا هذا المؤشر، فجبهتهم الداخلية كانت في صراع مستمر ربما أكثر من صراعهم مع حكومة الإنقاذ في صنعاء، وهو بسبب تضارب المصالح والأجندات القتالية. لذلك قد يكون هذا المجلس على الأرض أداة قوة لمواجهة الحوثيين وحلفائهم في صنعاء، ولكن في نفس الوقت هي ليست جبهة موحدة قوية التوجهات، وهذا ما يضعفها بالمقارنة مع وحدة القرار والتوجه السياسي والعسكري لدى جبهة صنعاء.
فعلى سبيل المثال قوات “طارق صالح ” وقوات العمالقة لها توجهات خاصة يحركها من أنشأها ومولها، وتسيطر على جغرافيا مهمة في اليمن والسؤال هل هي من أجل إرجاع الشرعية في اليمن، اقصد بها شرعية “هادئ” قبل تكوين المجلس الرئاسي؟ الجواب معروف فهي تقاتل لتسيطر على مناطق معينة، تقوي نفوذها لتكسب ورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية بشأن اليمن، وكذلك جهوية المجلس الانتقالي في الجنوب، الذي يقاتل من أجل إرجاع مشروع استقلال جنوب اليمن، وهو في تصادم عسكري مع أنصار “هادئ” في مناطق سيطرة هذا المجلس في “عدن” وهنالك كتائب الإصلاح التي تسيطر على مدينة مأرب ولها كذلك توجهاتها المعروفة، وفي حضرموت وهي أكبر محافظة يمنية مساحةً يسيطر رجال النخبة الحضرمية على الساحل، وحركة الإصلاح في الداخل. لذا فرجال هذا المجلس مختلفون في توجهاتهم والقاسم الوحيد الذي يجمعهم هو الحرب ضد “الحوثيين، وهو من الأسباب الرئيسية في تكوين هذا المجلس.
هذا المجلس مع وجود هذه الاختلافات كان هو الحل الأخير لتوحيد جبهة القتال ضد حكومة صنعاء وإزالة العقبة التي كان هذا المجلس لا يتوافق معها ومنعزل عنها ولا يملك القوة التي يملكها رجال هذا المجلس، لذلك عزل “هادئ” ونائبه، وتم إبراز هذه الشخصيات الثمانية التي تملك القوة على الأرض لقتال الحوثيين.
ولكن السؤال المطروح لماذا الهدنة اليوم؟ هل هنالك معطيات غيرت توجه الحرب في اليمن بعد سنواتها السبع، من هنا يتضح لنا أن من بدأ الحرب في اليمن أدرك أن هذا الصراع بات مكلفاً ومؤثراً عليه جغرافياً واقتصاديا، فأهداف الحرب ضد الحوثيين لم تتحقق، وهي هدفان رئيسيان وهما إرجاع حكومة “هادئ” إلى صنعاء والقضاء على حركة “أنصار الله” كقوة فاعلة في المشهد اليمني سياسياً وعسكرياً، وهذا الأمر فشل بعد سبع سنوات من القتال، فالحرب لم تغير من المشهد السياسي والعسكري في شمال اليمن لصالح التحالف السعودي، بل على عكس من ذلك أصبحت القوات التي دفعت لتحارب الحوثيين تدافع هي عن معاقلها المهمة والحيوية في شمال اليمن وما حصل في محافظة مأرب التي أصبح الجزء الأكبر منها تحت سيطرة حكومة صنعاء والاقتراب من السيطرة الكاملة عليها، وهذا يعني التحكم على أهم مصادر الطاقة في اليمن ، لذلك قام التحالف السعودي بفتح معارك أخرى في الساحل الغربي وشبوه لتشتيت قوات أنصار الله وحلفائها وعدم تمكينهم من السيطرة على محافظة مأرب المدينة التي هي آخر معاقل أنصار التحالف السعودي في شمال اليمن.
من هنا ندرك العمليات الأخيرة التي استهدفت العمق الاقتصادي الحيوي السعودي والإماراتي من قبل صواريخ ومسيرات أنصار الله لتكون رسالة مفادها إذا صعدتم في الداخل فإن صواريخنا ومسيراتنا جاهز لضرب منشأتكم الاقتصادية، فجاءت هذه الهدنة بأجندة جديدة تطلب من هذا المجلس أن يتفاوض مع حكومة صنعاء، فالهدنة في صالح الجميع ولكنها هشة وقابلة للكسر في أي وقت؟!
هدنة اليمن لها معطياتها الميدانية والسياسية، فهي في الجبهة المعادية لحكومة صنعاء محاولة لرصف الصفوف وإزالة العقبة التي يعتقد بأنها أصبحت كما يقال “كرت محروق” انتهت مدة صلاحيته ، فكان القرار بعزل هادئ ونائبه ” علي محسن الأحمر” ووقف هذه الحرب العبثية أصبح مطلب عربي ودولي، وإعلان وقف إطلاق النار وفك جزئي للحصار الخانق على اليمن هو أمر مرحب به من كل الجهات، وتشكيل هذا المجلس للتفاوض مستقبلاً مع حكومة صنعاء لرسم خارطة سلام جديدة في اليمن هو المطلب الثاني من هذا المجلس بعد تسوية خلافاته الداخلية وإيجاد أرضية ينطلق منها للحوار مع أنصار الله.
خارطة الطريق الجديدة للسلام في اليمن هل سيكون عنوانها تقاسم السلطة، فكل فئة لن تتنازل عن مكتسباتها العسكرية خاصة حكومة صنعاء التي بات الشمال اليمني شبه كامل تحت سيطرتها.
هنا نحن أمام سؤال كبير وهو هل هذه الهدنة ستصمد لمدة شهرين، وهل ستؤدي إلى اتفاق بين حكومة صنعاء والمجلس الرئاسي الجديد؟ وإن صمدت مع ما ذكرناه من تناقض في مكونات المجلس الجديد وتم التحاور مع حكومة صنعاء ما هي سناريوهات الحل السياسي المرتقب بين هذه المكونات المختلفة فيما بينها في التوجه السياسي والعسكري والفكري.
بعد الإعلان عن هذه الهدنة بدأ يتداول عن حل سياسي مشابه لما حصل في اجتماع الطائف عام 1989 م والذي أنهى الحرب اللبنانية، ولكنه أوجد المحاصصة الطائفية في لبنان، فهل نحن بعد هذه الهدنة والدعوة لبدأ الحوار مع أنصار الله وحلفائهم في الشمال اليمني أمام طائف جديدة بنكهة يمنية ؟!
في السياسة كل شيء جائز والنموذج اللبناني والعراقي قد يكونان أحد الحلول لإنهاء الأزمة اليمنية، فسنوات الحرب اليمنية أثبتت أن القضاء على أنصار الله ووقف تمددهم في الشمال اليمني فشل عسكرياً وأصبح إشراك هذا المكون اليمني المخالف لتوجهات القوى التي حاربته طوال هذه السنوات بات أمراً واقعاً لا مفر منه، والتفاوض مع أنصار الله يعني وجود سيناريو مثل سيناريو لبنان، فصيل داخل دولة له قوة سياسية وعسكرية معادٍ لإسرائيل وأمريكا في المنطقة وحليف لإيران. من هنا تتغير المعادلة اليمنية التي كانت قبل 2011م ذات توجه واحد وحليفةً قويةً لجارتها السعودية، وذلك بإشراك أنصار الله في إدارة البلد إن تطورت هذه الهدنة إلى حوار سياسي تصالحي ينهي هذه الحرب بتقاسم إدارة البلاد حسب الطريقة اللبنانية، وهذا أمر صعب التحقيق على الأرض خاصة في كم التناقضات التي ذكرناه في رجال المجلس الرئاسي الجديد.
نحن مع الهدنة في اليمن فهي الحل لوقف شلال الدماء في هذا البلد والتحاور اليمني اليمني على أساس وحدة تراب اليمن هو المدخل والأرضية التي سوف تنهي هذا الصراع، فهذه الحرب اثبت أن كلا الفريقين لا يستطيع التغلب على الآخر، ولعبة المصالح لها دور كبير في تغير الاصطفافات في هذه الحرب وإذا أدرك اليمنيين ذلك سيتحاورون ويتفقون على صيغة تبقي على وحدة اليمن أمرا قائماً، ولو كان صعب التحقيق ولكنه ليس بالمستحيل.