اسمحوا لي.. لقد هزم القيصر الروسي أبوعلي
بقلم:سلوم الكلباني
المحلل الإستراتيجي والعسكري
لقد ترددت كثيرا قبل الخوض في غمار تحليل الحرب الروسية الأوكرانية وذلك لأسباب سياسية و عسكرية و عاطفية، وهنا سأتوقف قليلا عند الأسباب العاطفية، فقد تفاجأت من حجم التأييد العماني الشعبي للموقف الروسي و عليه آثرت عدم التدخل في التحليل العسكري و الإستراتيجي، رغم الطلبات المتكررة لمركز المياه الهادئة للدراسات الاستراتيجية و القانونية، ولكنني في الوقت ذاته قررت أن اكتب في هذه الصحيفة الفتية بسبب ما أكن لها من احترام، خاصة الأستاذة الجليلة رئيسة تحرير وهج الخليج، التي لمست في كتاباتها السياسية الحرفية و الوطنية معا هذا أولا، وثانيا لأرضي اخواني و أصدقاء الطفولة و العمل، من هذا المنطلق إليكم هذا التحليل المتواضع.
لقد بدأ الدب الروسي بغزوه الأراضي الأوكرانية لأهداف معلنه وأخرى غير معلنة، أما الأهداف المعلنة فكانت لإجتثاث النازيين الجدد وحماية المواطنين الروس و نزع السلاح الأوكراني، أما الأسباب الغير معلنة فهي الاحتلال الكامل للأراضي الأوكرانية، وجعلها حاجز الأمان الاستراتيجي بين الدولة الروسية و حلف شمال الأطلسي و بالطبع استغلال الإمكانيات الأوكرانية الاقتصادية و العلمية و الطبيعية.
دخل بوتن الحرب والجميع يعتقد أنه سوف يسحق الأوكرانيين في أيام معدودة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن عمليتها الخاطفة سوف تستغرق من خمسة إلى سبعة أيام و أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن العاصمة كييف ستسقط بعد ثلاثة أيام، وكان أفضل المتفائلين من المحللين يعتقد أن العاصمة ستسقط خلال عشرة أيام و لكن ماذا الذي حدث:
1. لم تستطع القوات الروسية تحقيق السيادة الجوية و بقي سلاح الجو الأوكراني يعمل حتى كتابة هذا التقرير.
2. فشلت الحملة البرية من تطهير واحتلال أي مدينة أوكرانية بشكل كامل، وتفاجأ الجميع بقدرة القوات الأوكرانية على تحرير بعض المدن و القرى التي أصلا لم تحتل بشكل كامل.
3. أظهرت التقارير الاستخبارية الغربية، وبعض الموالين لروسيا و بعض المحايدين أن أكثر من 90% من القوات الأوكرانية مازالت تعمل، لكنها خرجت من المعسكرات ودخلت المدن واندمجت مع الشعب.
4. قام الجيش الأوكراني بإخراج معظم الأسلحة الثقيلة من المعسكرات وإدخالها المدن وبدت المعسكرات خالية من البشر والعتاد، فضربت قوات بوتن الجوية والصاروخية المعسكرات التي تسكنها الأشباح هناك.
5. إن الدعم الغربي للأوكرانيين تمثل في سلاحين رئيسيين لا ثالث لهما يحملان على الأكتاف (ستنغر للدفاع الجوي، وأنظمة متعددة ضد المدرعات)، أسلحة لا يمكن قصفهما من الجو، ومؤثرة على أقوى الترسانة الروسية القتالية (سلاح الجو وسلاح المدرعات).
6. طول خطوط الإمداد للقوات الروسية وضعفها أمام حرب العصابات التي يمارسها الجيش الأوكراني بحرفية.
7. لم يستطع بوتن إستخدام سياسة الأرض المحروقة بشكل كامل، وهي السياسة التي نجحت في الشيشان وسوريا، لأنهم مسلمين ولا يوجد من يدافع عنهم ولكنها بالتأكيد سوف تفشل مع الأوكرانيين المسيحيين الذين يدافع عنهم العالم.
8. إنهيار الروح المعنوية للقوات الروسية فأعلن بوتن شخصيا عن تعويضات للقتلى والجرحى وعوائلهم وهو مؤشر قوي على إنهيار الروح المعنوية للقوات الروسية وارتفاع عدد القتلى والجرحى الروس.
9. لم تحقق العملية العسكرية الخاطفة أهدافها الإستراتيجية وخسرت القوات الروسية ألاف المعدات ومئات الطائرات وقرابة 16 الف بين قتيل و جريح، والعديد من الجنرالات.
وفي الختام نستطيع القول من خلال تحليلنا المتواضع أن بوتن خسر الحرب وأنه أمام خسارة صغرى يستطيع أن يبررها، أو أمام خسارة كبرى تسقطه من سدة الحكم في روسيا، لقد هزم الدب الروسي أبو علي ولا جدوى من تغيير أهداف العملية التكتيكية والعملياتية والبحث عن نصر مزيف، فقد أصبح هامش المناورة ضيقا، وفي المقابل لم يخسر الغرب أي جندي على الأرض ولكنه يتفرج على تدمير أوكرانيا ويتباكى عليها في وسائل الإعلام، في قادم الأيام سنوافيكم بالتحليل الاستراتيجي السياسي إن كان في العمر بقية، بعون الله وتوفيقة.