مؤلم فراقك ياصديقي
بقلم: عبدالله بن حمدان الفارسي
هذه قدرة الله وحكمته ولا اعتراض عليها، بعض البدايات اليومية تسعدك بإطلالتها وبأخبارها السارة، وبعضا منها تأتيك بإشراقة سوداء؛ لما تحمله من ثقل يحطم الكاهل، إن بعض الغيابات وإن طال بها الأمد يظل الأمل قائما بموعد اللقاء بمن تحب، تنتظر عودة الغائب من رحلة مجهولة النهاية، ومع ذلك لا ينتاب اليأس قلبك، فموعد اللقيا يرفرف في الأفق لا يتغيب عن مخيلتك ولا يفارق مكانته من قلبك.
أقدار خطت لنا منذ النشأة، لا يمكننا الحياد عنها، ولكن في الوقت ذاته نجهل كيف كانت بدايتها ومغيبة عنا نهايتها، غيبيات الجهل بالبعض منها راحة مؤقتة للإنسان، والعلم بها فيه ضرر حتمي له، بعض الرحلات نهايتها مؤلمة كرحلة صديقي، ففي رحلته الأخيرة التي كان المأمول فيها الاستجمام والاطمئنان، ومخططا لها أن تكون مكوكية الغايات، محققة للأحلام، سافر صديقي لإحدى الدول المشهورة بكفاءة الأطقم الطبية فيها، وقدرة الاختصاصيين المهرة، كل في مجاله، سواء أكان في الطب الحديث أم المعالجات التقليدية، رحلة كما ذكرت الغاية منها الوقوف على آخر مستجدات المرض الذي اختار أن يكون جسد صديقي وطنا ومستقرا له، حين غزاه على حين غرة، ودون سابق إنذار، مرض لن أدعوه (بالخبيث) كما يقول الآخرون؛ وذلك من باب التأدب مع الله، فحاله كحال بقية الابتلاءات، ولكنه مرض أثبت دهاءه وقدرته على التخفي، وإجادته السير على أطراف الأصابع؛ حتى لا يكون لوقع سيره بين خلايا الجسد أي ضجيج، إلا حين يكون مطبقا للمثل القائل: ( إذا فات الفوت لا ينفع السوط) بسبب هذا المرض فقدتُ من كانت ابتسامته تسبق كلماته، إنسان يتمتع بوسامة المحيا وطهارته، لا يتردد عن تأدية الخدمة والمساعدة لكل من يلجأ إليه بعد الله، منذ معرفتي به لا أذكر في يوم أني توجست منه، أو أنه كان سببا في كسر خاطر أحد، يضفي على تعامله وأسلوبه الهدوء والسكينة والثقة بالنفس، لايجيد الثرثرة والتباهي بما يقوم به وما قدمه للآخرين، حين يدور بينك وبينه حوار نادرا ما يرمقك بنظرات؛ حتى لا يحرجك أو يشعرك بقوة حجته، رجل ليس بالزعول، في صمته حكمة عندما يحتدم النقاش، حكمة وغاية إيجابية في إشارة منه لننهي هذا النقاش ونحن أحباء، رجل قلما تجد مثله في عصرنا، خبر وفاتك يا صديقي له وقع قاسٍ حطم مهد سريرتي، واستفز هدوء عقلي، وأيقظ شعور الحزن في قلبي، فقد غردت برحيلك الآهات، وعشعش غراب الألم بين الحنايا، وناحت أبواق الشجن، وعزف الناي لحن جرح ينزف وجعا. ولأننا نؤمن بقضاء الله وقدره ونؤمن حق الإيمان بأن اليقين حق على البشرية، ومنهم الرسل والأنبياء -عليهم أفضل الصلاة والسلام- مؤمنين بقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت (٥٧).
وتأسيا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا (حميد) لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمك الله يا أبا (عبدالعزيز)، وأسكنك الفردوس الأعلى، وألهمنا وذويك وأحبابك الصبر والسلوان.