اختراق طائرة المقاومة اللبنانية أجواء فلسطين المحتلة
بقلم:جمال الكندي
تلقى الشارع العربي قبل عدة أيام خبر تداولته وسائل الإعلام العربية والغربية والإسرائيلية حسب توصيفها السياسي للحالة التي حدثت، ولكن هناك الشارع العربي الذي لا تسيره السياسة واصطفافاتها، ويفرح لكل ضربة تصوب للكيان الصهيوني، فقبلته فلسطين والقدس، وما يجري فيها من تنكيل وتهجير لأهلها يدمي قلبه، لأن فلسطين هي في الوجدان الجمعي للمسلمين والعرب.
إن ما يكسر العدو الصهيوني هو مصدر سعادة لهذا الشارع العربي المسلم سواءً جاء هذا الكسر من مقاومة لبنانية تصنف بلون طائفي معين، أو من مقاومة فلسطينية تنتمي للون حزبي معين، لا يروق لكثير من الساسة العرب.
ما وراء الخبر وهو اختراق طائرة للمقاومة اللبنانية أجواء فلسطين المحتلة ‘فقد أعلنت المقاومة اللبنانية بأنها أطلقت طائرة مسيرة “حسان” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وجابت المنطقة المستهدفة لمدة أربعين دقيقة في مهمة استطلاع كانت على مسافة سبعين كيلومتر شمال فلسطين المحتلة، ولم تستطع دفاعات العدو من إسقاط الطائرة ولا حتى عن طريق طائراتها الحربية، وقامت المسيرة بعملها بنجاح ورجعت أدراجها سالمة.
هذا الخبر المزلزل على الكيان الصهيوني سوف نقرأ ما وراء خبره من زاويتين الزاوية الأولى هي في تمكين وإقرار نظرية توازن الردع العسكري الذي أوجدتها معركة 2006، التي اعترف فيها العدو الصهيوني بقدرات المقاومة اللبنانية وطلب وقف أطلاق النار. هذه الطائرة المسيرة التي لم تستطع الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراضها أوجدت قناعة في الوجدان الجمعي للكيان الصهيوني مفادها أن المقاومة اللبنانية تسطيع فعل أي شيء، وأن هذا الكيان يصدق “السيد حسن نصر الله” أكثر من قادته السياسيين والعسكريين ، وما فعلته هذه الطائرة مؤخراً قوى هذا الشعور ، فتوازن الردع العسكري و قواعد الاشتباك لم تتغير منذ عام 2006 بين العدو الصهيوني والمقاومة اللبنانية، وترجمة ذلك عدم قيام إسرائيل بعمل عسكري كبير منذ نكستها في معركة 2006 ، وهذه الطائرة وما كان قبلها جاء ليذكر الصهاينة بقدرات المقاومة اللبنانية التي غيرت مجريات الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة.
الزاوية الثانية هي أن هذا الاختراق يزيد من فشل القبة الحديدية، التي تريد إسرائيل تسويقها وبيعها للخارج، فكيف تبيع منظومة دفاعية فشلت في التصدي للصواريخ الفلسطينية والمسيرات اللبنانية.
ما فعلته المقاومة اللبنانية في عام 2006 في تدمير فخر الصناعة الإسرائيلية “الميركافا” التي كانت تتساقط على أرض المعركة كالذباب بفعل صواريخ المقاومة اللبنانية أدى إلى القضاء على أسطورة مفخرة الصناعة الإسرائيلية، والذي أدى بدوره إلى صعوبة تسويقها في الخارج، وما حدث في عام 2006 يحدث اليوم بمسيرات المقاومة اللبنانية التي تظهر فشل منظومة الدفاع الصهيونية، وبالتالي صعوبة تسويق هذه المنظومة في الخارج وخاصة عند الأصدقاء الجدد لإسرائيل.
إن عملية اختراق المسيرة اللبنانية لها دلالات سياسية وعسكرية تقرأ عند الصهاينة أكثر من غيرهم، فهي تثبت قواعد اشتباك ما بعد معركة 2006، التي تغيرت بالدم اللبناني، وهذا الأمر غائب للأسف عند كثير من الساسة العرب. إن ما فعلته المسيرة من قطع مسافة 70 كيلومتر في العمق الفلسطيني المحتلة ولمدة 40 دقيقة يؤكد بأن التقنية التي تحملها هذه المسيرة هي عالية من ناحية التشويش والتوجيه، وهذا ما يقلق إسرائيل خاصة بعد الإطلالة الأخيرة “للسيد حسن نصر الله” وقوله بأن الصواريخ اللبنانية أصبحت دقيقة وتصيب أهدفها بهامش خطأ أمتار بسيطة، وهذه التقنيات هي التي تغير سير المعارك وتبني قواعد اشتباك جديدة تعرف باستراتيجية الردع العسكري الذي استطاعت المقاومة اللبنانية بناءها خلال فترة صراعها مع العدو الصهيوني ، وعملية الاختراق الجديدة عمقت هذا الشعور، وجعلت الإسرائيلي يفكر ألف مرة في أي مواجهة شاملة مع المقاومة اللبنانية .