الساقطون على قارعة البيروقراطية
بقلم: خالد بن سعيد الهنائي
يصدر قرار بتقديم مساعدات وقروض اسكانية لذوي الدخول المحدودة ثم تحدد الشروط والضوابط التي من المفترض أنها لتحقيق العدالة وضمان صرف هذه المساعدة لمستحقيها.
إلى هنا والكلام جميل، لكن عند التطبيق نبدأ باكتشاف ثغرات مثل ان سقف الراتب ليس معيارا عادلا للاستحقاق فربما جاء شخص يتقاضى الف ريال عوضا عن ٦٠٠ ولكنه يعيل أسرة كبيرة ويرعى أيتام أخيه المتوفى قبل عام ولديه شيخين كبيرين يحتاجان إلى رعاية خاصة، ويأتيك آخر دخله وصل إلى الف وخمسمائة ريال لكنه اضطر لاقتراض مئة الف ريال لعلاج ابنه الذي يعاني من مرض عضال علاجه في المستشفيات الحكومية قد يستطيل إلى ما بعد انقضاء الاجل وبالتالي بعد ذهاب ثلثي الدخل لسداد ديون العلاج يتبقى ماهو أقل فعليا عن شرط الاستحقاق، وثالث شاب قرر التماهي مع تشجيع الدولة لممارسة التجارة لكنه فشل وتراكمت عليه الديون واضطر للعمل ومن ثم صرف ثلثي راتبه البالغ الف ريال لتغطية ديون تلك الحقبة، هذه الأمثلة وغيرها تتكرر في كل برامج الدعم المقدمة من الدولة مثل الضمان الاجتماعي ودعم الوقود والكهرباء وغيرها.
وإذا سألت موظفا في مكاتب المراجعة عن مثل هذه الفئات مؤكد سيخبرك بأنه يقابل هذه الفئة من الناس بشكل يومي ومؤكد بأنك ستدرك أنهم كلهم يعطون نفس الجواب (الشروط لا تنطبق عليك).
مثل هذه الفئة تضطر إلى العيش على هامش الحياة فلاهم يستطيعون إلى تحسين حياتهم سبيلا ولا هم نالهم من حب الدولة نصيب.
ورغم أن مثل هذه المشاهد تتكرر بشكل متصاعد سنويا لم نسمع يوما عن مراجعة لضوابط وشروط صرف الدعومات بحيث يمكن أن تقلص مثل هذه الفجوات.
ورغم أن اغلب هذه الحالات إنما تراكمت بسبب عجوزات بيروقراطية أو تنظيمية في قطاعات حكومية أخرى لم نسمع عن مسؤول قال بما أن الدولة عجزت عن خدمتك في قطاع ما سندعمك في جهة أخرى.
في السابق كانت الاستثناءات التي يملكها الوزراء وبدرجة أقل وكلاء الوزارات مكنت من تخفيف بعض المعاناة عن هؤلاء الساقطين من حسابات البيروقراطية ورغم أن هذه الاستثناءات ساهمت غالبا في تسمين السمان واثراء أقارب المسؤول وخلانه الا انها لم تخل من لحظات تجلي إنساني عند معالي فلان وسعادة علان وهناك قلة قليلة ممن احسن إدارة هذه الاستثناءات ووضعها في موضعها.
اليوم ومع الوضع الصعب للدولة ومحاولتها الخروج من دائرة الضغوطات الاقتصادية ومع الإجراءات القاسية التي تم اتخاذها فإن هذه الفئة تزايدت بشكل كبير. الأمر الذي يستدعي الوقوف عليها ومحاولة الخروج بقرارات وإجراءات تنظيمية أكثر رشاقة تكون قادرة على استيعاب مثل هؤلاء الناس وضمان حصولهم على شيء من الدعم الذي يعينهم على العودة إلى قائمة البشر غير المهمشين.
كل ما اتمنى أن أراه هو أن يتبنى أحدهم هذه القضية ويسعى لتحويلها إلى مشروع هيئة قانونية واجتماعية مختصة في دراسة هذه الحالات ومن ثم إعادة صياغة الضوابط والشروط بحيث تتمكن من استيعابهم أو على الأقل منح الجهات المعنية صلاحيات أوسع للاستثناء بعد دراسة مستفيضة وواضحة وشفافة لكل حالة على حده أو أي طريقة أخرى تخرج هؤلاء الناس من دائرة عدم انطباق الشروط والأحكام.
في الختام فإن القوانين والانظمة التي نضعها إنما نصيغها لتحسين حياتنا واذا مابدأت بالتحول إلى طوق يخنق البعض منا وجب الشروع في إعادة صياغتها قبل أن تتحول إلى كلبشات تقيد الناس عن الوصول إلى الحياة الكريمة.