غسان
بقلم.نصراء بنت محمد الغماري
في أحد الصباحات الملغمة بالغيوم وندف المطر، خرج غسان صباحا نحو عمله ، متوكلا على الله، وصل إلى العمل، قام بتشغيل باص نقل العمال، ثم قام بنقلهم إلى أحد مواقع العمل بحسب المتطلبات، ولكن لا يبدو أن الوضع مر كما هو مخطط له، إذ قدر الله أن يمنح الأرض فرحتها من خلال ما سكبته الغيوم من أمطار غزيرة ممتدة بدون انقطاع.
شعرغسان بمسؤولية كبيرة ، فالعمال من جنسيات مختلفة في موقع العمل، ويبدو أن الموقع على مقربة من أحد مجاري الأودية الشهيرة بقوة النزول والغزارة والجريان، فما كان منه إلا أن توجه إلى حيث يتواجد العمال، لم يفكر في أسرته، لم يفكر في أمه وأبيه، لم يفكر في أخته التي تشعر بامتنان للحياة لأن غسان موجود دائما من أجلها، لم يفكر في كل ذلك، بل فكر في أن العمال تحت مسؤوليته، وعليه أن يسبق الوادي قبل أن يصل إليهم، ركب الباص وقاده بأقصى ما يستطيع.
وصل غسان عند العمال، جمعهم في الباص، تحرك على عجل، سار من أجل أن يسبق الوادي، لكن لم تكن سرعته كافية، لذلك قرر أن ينزل العمال من الباص، لكي يصلوا إلى منطقة أمان خارج بطن الوادي، وهذا ما حصل، لكن رفض أن يترك الباص، متمسكا بمحاولاته المستمرة لإنقاذ الباص، لكن هذا لم يحصل أيضا، لذلك حاصر الوادي الهادر الغاضب الباص، ولم يترك له مساحة للهروب، وفي هذه اللحظات الصعبة، لم يعرف أحد أين ذهب غسان واختفى، فلا هو حي ولا هو ميت، ولا شيء يدل عليه، وهنا بدأت افواج من الناس في سباق مع زمنين، زمن الموت، وزمن الحياة، من أجل الدخول في رحلة البحث عن غسان.
خرج الناس يبحثون، فرق بحث متناثرة هنا وهناك، فريق من الدفاع المدني يبحثون كذلك، الوادي انحسر جريانه ولكن غسان لم يظهر، نداءات، بحث متواصل لعدة أيام، دعوات تعمر البيوت عسى أن يكون غسان على قيد الحياة، دعوات أخرى عبر برامج التواصل الاجتماعي، لعل غسان على قيد الحياة، لعله تحايل على مياه الوادي الجارفة واختبأ في مكان ما، لعله يسمع الأصوات ويجيب، لكن كل ذلك لم يحصل.
الأيادي على القلوب، والشفاه تلهج بالدعاء، وفي ظل كل ذلك، يأتي خبر عن غسان، خبر على وجه حزين، وشفاه متمتمة، لقد وجدنا غسان، ولكن لله ما أعطى ولله ما أخذ وإليه المصير.
خبر حزين، خبر نزل كالصاعقة، حزنت القلوب، وذرفت العيون الدموع، ورحل غسان، تاركا في القلوب صورة لشاب عشريني، لم تمهله الحياة لكي يعيشها بالطول والعرض..