المواطنون يشتكون من غلاء أسعار الأسماك والصيادون يكابدون الخسائر
تحديات قطاع الثروة السمكية
وهج الخليج – منى المعولي
لماذا أصبح السمك أغلى من اللحوم الأخرى؟
تتعالى الصيحات من كل حدب وصوب؛ يشتكي المواطن من ارتفاع سعر الأسماك، ويشتكي الصياد بالويل والثبور من تهديدات تمس لقمة عيشه، وتحتم عليه المهالك المادية والنفسية؛ فكيف خفت سطوع كل تلك الثروات التي تضمها بحار عمان؟
يستيقظون قبل الشمس، يشقون عباب البحر يبرز أثر تشقق أياديهم بعد أن طبعتها شباك الصيد وألبستها الخشونة والصلابة، تتضاعف تحديات الحياة، فكل سمكة لها ألف قصة حتى تصل إلى يد المستهلك هكذا يمكننا أن نلخص مقاومة الصياد وأسطورة من الجد والكفاح والتعب.
نقترب من التحديات التي يواجهها هؤلاء الصيادين بدءاً من إبرة الصيد مروراً بارتفاع سعر المحروقات وغلاء بترول المحركات انتهاءً بأسعار قطع الغيار القاصمة للظهر؛ ولكن قبل كل هذا هناك قضية مهمة يجب الالتفات إليها وإيجاد حل لتساؤلاتها.
حيث تلتقي وهج الخليج بعدد من الصيادين من مختلف ولايات السلطنة لنقف على التحديات التي تواجههم في ظل ارتفاع أسعار المعيشة وشح الأسماك ورفع الدعم عن المحروقات وارتفاع سعر البترول والعوامل التي تسببت وفق تعبيرهم إلى تدهور الثروة السمكية بالسلطنة.
المواطن يدفع الثمن من غلاء أسعار السمك
حدثنا أحمد بن عبدالله البلوشي – نائب رئيس جمعية الصيادين العمانية- شارحاً كيف تتسبب شباك القاع في تدمير البيئة البحرية التي تتغذى منها جميع الأسماك القاعية وكيف تساهم تلك الشباك في تدمير الشعاب المرجانية والطحالب وأماكن بيوض الأسماك والمرعى الأساسي في مواقع الصيد المتعارف عليها؛ وللعلم فأن هذه الشباك غالباً ما تتقطع في الشعاب المرجانية وتبقى ولا تتحلل وتنهي البيئه البحريه مما ساهم بشكل كبير في تناقص المخزون السمكي وإبتعاد عدد كبير من الأسماك بحثاً عن مراعي آمنه بعيداً عن سواحلنا وبالتالي ساهم ذلك في تناقص مدخول الصياد الحرفي وتسبب بمعاناته، وتسبب بشكل ملحوظ بندرة وجود الأسماك في أسواقنا المحلية؛ وإن وجدت فهي شحيحة ويرتفع سعرها لقلة العرض وكثر الطلب كحال ما نشاهده من ارتفاع أسعار الأسماك بشكل كبير بسبب جفاف المصائد التاريخية واختفاء أسماك السردين من أغلب البنادر الموجودة في مختلف شواطئ السلطنة مما أحدث خللا بالبيئة البحرية وتوازنها وتسبب باستنزاف الثروة السمكية.
وفي خضم الثورة الصناعية وأتمتة الأجهزة المتطورة؛ كيف تصمد الأساليب التقليدية للصيد التي يستخدمها المواطن البسيط؟
سفن الجر السطحي تزاحم الصياد في أماكن صيده المعتاد
وأضاف نائب رئيس جمعية الصيادين العمانية في آخر(3) سنوات دخلت علينا سفن جر سطحي كما هو معلن عنه من قبل جهاز الاستثمار والأن نرى أن العدد في تزايد وأتى التصريح بأنها تستثمر كتله ضخمه من الأسماك المتواجدة في أعالي البحار ولكنا نراها تعمل في مواقع الصياد الحرفي ٢٠ ميل بحري وما دون وتزاحم ذاك الصياد الحرفي البسيط الذي يقتات من عشرات السنين على كميات بسيطة ومستدامة إلى أن أتت هذه السفن العملاقة وجرفت المخازين وأدت إلى انعدام الأسماك القاعية المعتاد صيدها وتسبب في قطع أرزاق الصياد الحرفي الضعيف فلا يوجد ناتج من هذه المواقع الأن وبينما السفن مستمرة في الجرف وانتشرت مقاطع مرئيه للتجاوزات ولم يُحرك أي ساكن في هذا الموضوع بحجة إنها سفن حكومية .
الصياد العماني يستغيث لقد لامست التغيرات عوائل الصيادين
أنهى أحمد البلوشي حديثه قائلا: سابقاً في نفس مواقع صيد السفن توجد أسراب الدلافين والتي توجد لديها اسماك التونة التي تتغذى من أسماك السطح الصغيرة واليوم وبسبب الاستنزاف الجائر من السفن ابتعدت الدلافين مما ساهم ابتعادها بتكبدنا أضعاف مصروف المحروقات وامكانية الحصول على أسماك التونة في الأعماق بات قليل جداً وأمسى الصياد العماني يستغيث وقد لامست التغيرات عوائل الصيادين، وقلت انتاجيتهم وبهذا نحن مقبلين على فقر وجوع وهكذا نحن نقضي على قطاع كبير يشكل نسبة ٢٠٪ من عدد السكان فلا يعقل أن نضحي به لأجل استثمارات غير مستدامة.
أما حمدان بن راشد البطاشي من محافظة مسقط تحدث عن الفرق بين الماضي والحاضر في حال الصياد الحرفي الذي أصبح يعاني بشدة بسبب نقص سمك العومه الذي تسبب في انقراض وغياب اسماك كثيرة من البحر وارتفاع أسعار البترول والقوانين التي أصبح الصياد ملتزم بها من استخراج تصاريح وغيره من المعوقات.
كما ناشد حمدان البطاشي الجهات المعنية أن تراعي الصياد الحرفي وأن توجد قوانين صارمة تنظم عملية الصيد والتقيد بسنن البحر المعروفة في بحار السلطنة كما طالب بدعم الصياد ومراعاته من خلال دعم المحروقات وتسهيل شراء المحركات وقوارب الصيد.
انقراض السردين ينذر بكارثة بيئية؟
السردين المعروف محلياً بسمك (العومه) أصبح شحيحا جداً وأعداده تتناقص ويعزي الصيادون السبب إلى تزايد المستثمرين في مجال هرس سمك السردين من أجل تصديرها مما يتسبب بقطع هرم السلسلة الغذائية للأسماك الكبيرة التي تبحث عن علف وتتغذى على السردين ولقد تسبب غيابه بنقص في الهرم الغذائي.
حيث حدثنا الصياد عبدالله بن خميس العريمي من ولاية جعلان بني بوعلي منطقة ( الحدّه ) والذي يمارس مهنة الصيد منذ عام ٢٠٠٢ م مقارنا بين السنوات الماضية واليوم قائلاً: كانت كل الأمور سابقا ميسرة، وكان الحداق متوفراً في كل مكان وسمك السردين موجود بكثرة؛ ولكن مؤخرا أصبحنا نعاني من نقص شديد في المواقع والبنادر الخاصة بالسمك؛ لقد دمرت الجبال ومواقع الصيد مدمرة؛ بسبب آلات الصيد الجائر الحديثة، واللياخ الممنوعة، والضغاوي الخاصة بالسفن الكبيرة، لم يعد السمك الصغير موجودا بسبب تهدم أماكن تواجدها والجبال التي تحوي الشعب المرجانية التي تبيض فيها هذه الأسماك، حتى أسماك الجيذر التي قد تتاح أحيانا للصيد، تجد الحرب قائمة عليها بسبب الجرافات وسفن التحويط.
يردد عبدالله العريمي متحسراً على ما آل إليه الحال من غلاء قطع الغيار الخاصة بالصيد وغلاء البترول وسعر محركات القوارب ويرافقه شح الصيد مع تراكم الديون المستحقة لبنك التنمية، وللناس والفواتير المستحقة إثر المصاريف المترتبة على صيد تلك الحفنة القليلة من السمك والتي لاتوفي نفقات المصاريف.
العمالة الوافدة ومصانع هرس السمك تستنزفنا
وأشار الصياد عبدالله العريمي إلى المشكلة التي تفاقمت بسبب زيادة مصانع هرس السمك، والتي أصبحت تستأجر العمالة الوافدة لتهرس كل ما تصل له آياديها من أجل الحصول على أكبر كمية ممكنة دون التمييز بين تلك الأصناف؛ ناهيك عن انقراض أسماك السردين والتي تعتبر كمادة غذائية يتغذى عليها الأسماك الكبيرة.
ويؤكد العريمي في حديثه أن الدخل لم يعد يغطي المصاريف التي تترتب على شراء معدات الصيد وقطع الغيار والنفقات التي ينفقها من أجل العودة بكمية ضئيلة من الأسماك إلى المستهلك.
أما الصياد مبارك بن جمعة العريمي من ولاية سدح بمحافظة ظفار يؤكد قائلاً: أن سمكة العومه لم تعد موجودة في مواسم توافرها والتي أعرفها منذ أن كنت صغيراً، فقد كانت متوفرة في موسم المسمى عندنا في ظفار ب (الطلعيت) وهي بداية من شهر يونيو (6) من كل عام وحتى شهر أكتوبر (10) من كل عام.
وأضاف: أخذت تلك المواسم بالانحدار نحو التخافت ولم تعد العومة متوفرة أما في العام المنتهي 2021م فقد كان موسم الطلعيت متأخر جداً لدرجة أننا لم ننزل إليه إلا في شهر أكتوبر فقط ، ناهيك عن تضاعف مصاريف البترول يقابله تناقص الصيد بشكل كبير، بالإضافة إلى التحدي الكبير بسبب وجود الجرافا ت وبسبب انتشار العمالة الوافدة في الصيد وبأعداد كبير.
ويشتكي مبارك من غلاء المعيشة وصعوبتها ومدى التحدي الذي يواجهه خصوصاً أن الصيد هو مصدر رزقه الوحيد الذي يعتمد عليه لتغطية التكلفة والمصاريف بالإضافة إلى الصيادين من الشباب الباحثين عن العمل والذين يذهبون مع صاحب القارب للصيد من أجل الرزق والاعتماد على أنفسهم إلا إنه مع شح الصيد يصابون بالإحباط لأنهم يعودون بخفيّ حنين مما يجعلهم يتجنبون الذهاب مجدداً ناهيك أن صاحب القارب أيضا يخشى الذهاب إلى البحر والعودة بيد فارغة ليتحمل تكاليف البترول والمعدات بدون أي عائد أو تعويض يسد خسارته.
أنقذوا بحار السلطنة
أما صاحب أحد المصانع السمكية الحديثة في المنطقة الحرة بصلالة فيصل بن عبدالله السنيدي صياد حدثنا قائلاً: إن الأمر يكاد يكون واضحاً حول الاستنزاف الجائر للسلسلة الغذائية الرئيسية لمختلف أنواع السمك، وكذلك التوجه بالاستثمار نحو مصانع الهرس في السنوات الماضية التي توجه إليها الاستثمار مؤخراً ومعظمها استثمارات أجنبية ونحن اليوم نجني ثمارها سواء كان من الصيادين أو أصحاب المصانع العمانيين المتأثرين بالتوجه الذي حدث.
وأضاف فيصل السنيدي: التوجه نحو الصيد الجائر ومصانع الهرس التي فتحت مجالا قوياً وداعماً لاستنزاف سمك السردين بشكل خاص الذي يعتبر مفتاح وبوابة وصول الأسماك المختلفة إلى السواحل العمانية.
وتابع لقد تأثر القطاع السمكي بشكل واضح وبدأ تأثير شح الصيد يصل إلينا كما ينقل لنا الصيادين معاناتهم مع قلة وجود السمك بسبب عدم وجود السردين وابتعاد المصائد عن الساحل والاستنزاف الشديد وأكد قائلاً نحن مع الاستثمار التجاري في السلطنة ولكن مع وجود آلية تنظيم للاستثمار وأن ينافس الأسطول التجاري العماني الأساطيل الأجنبية لإنقاذ المنظومة السمكية في أعالي البحار ( ٢٠٠ ميل بحري )، يجب أن ينافس المستثمرون العمانيين في البحار العميقة وليس في الأماكن القريبة من مساحة الصياد الحرفي.
كما قال السنيدي: إن التقنين مهم لأن الاستنزاف دائما عواقبه وخيمة فكما نرى كثرة تصاريح مصانع الهرس في السنوات السابقة أدى إلى ما نراه اليوم، مضيفاُ أن تلك المصانع يجب ألا تطول الأسماك الطازجة كما يحدث الآن ويجب توجيه المسار بشكل عاجل وفتح مصانع محدودة فقط وهي المصانع التي تهتم في القيمة المضافة وتقتصر على هرس مخلفات الأسماك وليس الأسماك الصالحة للاستهلاك البشري.
اختتم فيصل السنيدي متمنياً أن يحظى الصياد الحرفي بالدعم الذي يساعده على تفادي النفقات الكثيرة المترتبة عليه بسبب ارتفاع تسعيرة المحروقات التي جعلته يضاعف سعر بيع السمك وقد لايعود بشيء من الصيد مما يجعله يتكبد خسارة كبيرة بدون عائد يغطي خساراته.
وعن القلق الحالي حدثنا حمد بن ثابت الجعفري صياد من نيابة الأشخرة قائلا: أن الشغل الشاغل الأن لمجتمع الصيادين هو تناقص أسماك العومه ( السردين ) وهي رأس الهرم الغذائي في منظومة استدامة الثروه البحرية فبوجود هذه الاسماك تتواجد جميع الأسماك ولكن التوجه في وجود مصانع المسحوق السمكي التي أنشئت كحل بيئي لمخلفات الأسماك باتت تستقبل جميع الاسماك الموجودة في البحر فتغيرت الثقافة لدى بعض الصيادين الحديثين على حرفة الصيد وهي ثقافة الكم فلا يعقل بأن يتم هرس ألاف الأطنان يومياً من أجل استخراج اعلاف وزيوت ويتم التضحية بقطاع متكامل ويتم استنزاف هذه الثروات ومنع استدامتها وبالتالي نعيش اليوم حرمان كبير من هذا المنتج الرئيسي وأصبحنا نحن كصيادين ندفع ضريبة هذا التوجه الجائر فسابقاً كنا نقضي ربع ساعه لتوفير العومه والأن نقضي ١٠ ساعات لتوفيرها وأغلب الأوقات نعود بدونها ونتكبد خسائر المحروقات وسابقاً كانت الأسماك الكبيرة متواجده قريب من السواحل والأن لقلة غذائها ابتعدت بعيداً بحثاً عن الغذاء مما ألزمنا ساعات ومسافات اضافيه بحثاً عنها فكل شي في البحر مرتبط بوجود عناصر الغذاء فهي منظومه متكامله لا يصح ان تخل بطرف منها.
التنظيم القانوني أصبح مطلباً
يتعجب الصيادين حيث لا يوجد بند قانوني في قانون الصيد يجيز للعامل الوافد بالعمل في القوارب الحرفية ابداً وايضاً لا يجوز العمل بالضغاوي بدون تصريح وهناك اشتراطات بذلك ويجب ان يكون القارب مرخص وكل هذه الاشياء غير موجودة على ارض الواقع ولكن لا يوجد تطبيق من الجهات المعنية لتنفيذ القانون.
حيث يتسائلون لماذا لا تضرب الوزارة بيد من حديد على من تجرأ بمخالفة القانون وقد استمر هذا الوضع لأكثر من ٦ سنوات بدون حراك يذكر.
لقد أصبح العامل الوافد السائب ينعم بعائد مالي أكثر عن العماني الملتزم الرافد للسوق المحلي والمعتمد على نفسه لإعالة عائلته.
لذا يرى الصيادون أن بتنفيذ القوانين وحدها وتنظيم آلية تشريع الصيد وبتكثيف الرقابة وتكون الجهات المشرعة منفصلة عن الجهات المنفذة أو الجهات المشرفة على عملية سير التنظيم، متمنين انقاذ كنوز بحار الوطن والحفاظ على مقدراته وخيراته من أجل ديمومة أكبر تحافظ على لقمة عيش شريحة مجتمعية مهمة تمثل حوالي 20% من سكان سلطنة عمان.