اللامركزية التي تحدَّث عنها السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ
بقلم: كمال بن سيف الفهدي
خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق أمام مشائخ ووجهاء وأعيان محافظتي الداخلية والوسطى الذي ألقاه يوم الثلاثاء 4 – 1 – 2022م بحصن الشموخ كان موجّهاً لكل عمان على مستوى الشعب والحكومة والقطاع الخاص، هذا الخطاب الذي سيكون مفصلياً في طبيعة إدارة المحافظات إذا ما تلقَّته آذانٌ مصغية وقلوبٌ واعيةٌ وعقولٌ حصيفة، إنه يؤسس لمرحلة عظيمة لم يسبقه إليها أحد من قبل، فالمركزية لم تعد فعّالةً في هذه المرحلة ولا تلبِّي طموحات المرحلة القادمة.
كان الخطاب جريئاً إلى حدود لا يتصوَّرها السطحيون الذين يظنون أن الخطاب كان لمجرد الخَطابة، بل إن الخطاب يشير إلى أمر غاية في الجسامة والعظمة، فاللامركزية التي تحدَّث عنها السلطان هيثم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومشاركة المحافظين في إدارة المحافظات أمران آن الأوان لتطبيقهما وتفعيلهما الفاعلية التي تليق بهما، وهي تعني إفساح المجال لإدارة المحافظات من الداخل وتصريف المقدَّرات والمخصصات المالية السنوية لتطويرها بأفكار وأيادٍ من داخل كل محافظة فيما يتماشى مع رؤية الحكومة والمنظومة الإدارية العامّة للدولة.
إن السلطان هيثم ـ حفظه الله ورعاه ـ كان جاداً فيما يقول ومستنهضاً لهمم المحافظين الذين وضع فيهم الثقة الكاملة التي من خلالها يمكن أن يشاركوا في تنمية المحافظات جنباً إلى جنب مع إدارة الحكومة لها، وهذا الخطاب يعطيهم هامشاً كبيراً للإبداع في إدارة المحافظات لو هم أحسنوا تلقِّي هذا الخطاب وهذه الثقة كما ينبغي، وهنا سأحاول التكهُّن بالأعمال التي يمكن للمحافظين ممارستها تحت مظلة اللامركزيةالتي أنعم بها عليهم السلطان هيثم ـ حفظه الله ورعاه ـ وقد أكون مصيباً وقد أكون مخطئاً.
أولاً: من الناحية الاقتصادية.
على المحافظين بذلُ ما بوسعهم لتنمية المحافظات وجلب الاستثمارات التي تنهض بمحافظاتهم تماشياً مع خطط الحكومة المنبثقة من الرؤى المستقبلة قصيرة المدى وطويلة المدى.
على المحافظين وضع يد الحكومة على الثروات الطبيعية الموجودة في محافظاتهم والسعي لاستثمارها الاستثمار الأمثلَ وصونها من أن تطالها يد العابثين أو المستثمرين غير الجيدين الذين يساهمون في هدر تلك المقدّرات وإغناء أنفسهم على حساب الوطن.
على المحافظين العمل بجد لتطوير البُنى التحتية التي تخدم الجانب الاقتصادي وتقرّ أعين المواطنين والمقيمين والزائرين وبالأخص المستثمرين، وعليهم العمل بخطط حكيمة قائمة على التشاور الدائم مع المختصين في الجوانب الاقتصادية والهندسية والبيئية والتجارية وغيرها.
على المحافظين السعي لأن تكون محافظاتهم جالبة للاستثمار بتذليل كل العقبات الإدارية أمام المستثمرين والابتعاد عن البيروقراطية التي لا تزيد الاقتصاد إلا تأخراً وضعفاً.
على المحافظين أن يكونوا بقدر طموح الحكومة والعمل على تطوير المحافظات بما يتوافق مع طبيعة كل محافظة، فمن المعلوم أن طبيعة كل محافظة من محافظات السلطنة تختلف عن غيرها.
على المحافظين أن يجعلوا الموارد البشرية نصب أعينهم وفي مقدمة أدوات الاقتصاد الناجحة، وعليهم مشاركة الشباب أفكارهم وتشجيع مشروعاتهم الطموحة للنهوض بالمحافظات في الناحية الاقتصادية.
على المحافظين أن يتماشوا مع طموحات الحكومة الرامية إلى خلق إدارة حديثة قائمة على التخطيط الجيد الحكيم والمتابعة اللصيقة والتقويم المستمر والتحديث الدائم والرقابة الجادّة والمحاسبة العادلة؛ لأجل الوصول إلى الغايات النبيلة التي تسعى إليها الحكومة بقيادة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ
على المحافظين النظر العميق في المشاريع الناجحة في محافظاتهم وتشجيعها، وعليهم النظر بشكل أعمق في المشاريع التي لم تنجح لمعرفة الأسباب والعوائق التي حالت دون النجاح؛ لأن كثيراً من المشاريع قد تكون ناجحة في خططها إلا أنها تتعثر في تنفيذها.
على المحافظين الاستفادة من التجارب العالمية التي نجحت في تطوير الدول والنهوض بها اقتصادياً وتطبيق كل ما يتلاءم مع البيئة العمانية والإمكانات والمقدَّرات الموجودة.
على المحافظين أن يعوا تمام الوعي أن الحكومة لن تبخل عليهم بالمزيد من الدعم المالي إذا وجدت منهم عملاً جاداً ونجاحات تسهم في تحقيق الغايات السامية التي تسعى إليها الحكومة، وعليهم استغلال الـ 20 مليون ريال التي أمر بها جلالة السلطان لتطوير المحافظات أمثلَ استغلال، حتى تصل المحافظات إلى مستوى تكون هي المصدر للأموال التي ستودع في خزينة الدولة.
ثانياً: من الناحية السياحية.
معلوم أن سلطنة عمان تزخر بتنوّع فريد من حيث الطبيعة الجغرافية الجاذبة للسُّواح، فشواطؤها الجميلة وجبالها الشاهقة وخريفها الجذّاب وصحراؤها الذهبية وسهولها الغنّاء كلها تقول للسَّواح أهلاً وسهلاً بكم في أحضان دولة جمعت كل ما يطمح له السائح، كما أن سلطنة عمان لها تاريخ إنساني وحضارة عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ مسجلةً على جدران القلاع والحصون وعلى مراسي السفن وقمم الجبال، كل تلك المقومات السياحية يمكن استغلالها الاستغلال الأمثلَ والترويج لها وتفعيل دورها في جذب الأموال السائلة إلى خزينة الدولة، فما على المحافظين إلا أن يؤمنوا بالقوة الطبيعية لكل تلك المقومات السياحية القادرة على جذب أنظار السُّواح وخلب ألبابهم؛ ومن أجل ذلك عليهم أن يُظهروا كل تلك المقدَّرات الطبيعية والحضارية في أبهى حللها ويسعوا إلى تطوير المرافق المعينة على الوصول إليها وتوفير سبل الراحة والاستجمام للسائح الذي سيلقي بروحه في أحضان تلك المقدرات الطبيعية والحضارية.
على المحافظين أن يخططوا جيداً لبعث التاريخ العماني من جديد بترميم كل ما تهالك من أبنية تاريخية، وعليهم أن يزيّنوا المرافق السياحية ويفرشوها بالورود لتساهم في النهوض بهذا الوطن المعطاء.
ثالثاً: من الناحية الاجتماعية.
على ضوء الخطاب وجب على العماني أن يعتزَّ بحاضنته الاجتماعية وهويته الحضارية، وعلى المحافظين أن يكرِّسوا جهودهم على غرس القيم العمانية الأصيلة ويحاربوا كل ما من شأنه النيل من الهوية العمانية على كل المستويات، فهم عين الحكومة التي لا ينبغي أن تنام، وهم ذراع الحكومة التي تبني الوطن.
على المحافظين السعي إلى ترسيخ العادات العمانية النبيلة وتشجيع كل ما يسهم في بقائها وانتشارها، تلك العادات التي لا تتصادم مع الحضارة، بل تسير معها جنباً إلى جنب.
على المحافظين الحرص على بقاء المجتمع العماني على أخلاقه الرفيعة التي يتصف بها منذ مطلع التاريخ، وعليهم الحدُّ من انصهار تلك الأخلاق واختفائها، فأخلاق العمانيين هي عين هويتهم الحضارية، فما قامت إمبراطوريتهم إلا بحسن أخلاقهم، تلك الأخلاق المستمدّة من دينهم الإسلامي السَّمح.
هذه هي بعض تجليات خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي يؤسس لمرحلة جديدة مليئة بالتحدّي والإنجاز بجُرأة حكيمة في إعطاء الثقة للمحافظين بتفعيل اللامركزية في إدارة المحافظات.
حفظ الله عمان وشعبها وسلطانها وسدد على طريق الخير خطاهم أجمعين.