منظومة التعليم.. رسالة مفتوحة إلى رئيس مجلس الدولة
بقلم: د. سالم بن سلمان الشكيلي
لا أظن أنّ أحداً يُجادل في أهمية التعليم ، ودوره الخلاق في بناء نهضات الأمم وتطورها ورقيّها في كافة ميادين ومجالات الحياة ، كما لا يخفى على أحد التسارع والمتلاحق للتطور العلمي ، حتى أنه لا يكاد يمرّ يوم دون أن تسمع عن تطور علمي أو تكنولوجي أو اكتشاف طبي جديد ، ظهر هنا أو هناك ، مع استبعاد الدول العربية بلا استثناء ، من هذه التطورات والاكتشافات ، ذلك أننا لا زلنا نحبو ونبعد بل ونبتعد عن ركب التعليم المتطور بمسافات تزداد يوماَ بعد يوم ، ولازال التعليم يبارح مكانه من حيث المضمون أو المحتوى ، ومن حيث الوسائل المتبعة في العملية التعليمية ، والأدوات المستخدمة فيها ، متصفاَ بالعقم والبلادة الشديدة ، التي لا يمكن أن توصلنا إلى الأهداف والغايات المنشودة ، ولا يمكن لها أن تتحرك قيد أنملة في خلق جيل قوي قادر على الإبداع والابتكار في الطب والهندسة والتكنولوجيا والذرة والصناعات المختلفة الأخرى ، كما يقال أنهم يخططون لها ، أو كما يروّجون لها في كل محافلهم الإعلامية .
ومنظومة التعليم عندنا ، أشدّ وطأة وبؤساً ، للأسباب ذاتها ، بل إن جراثيم التعليم – كما ذكر أحد التربويبن – تكاد تتجمع فيها ، ويمكنني بكل تواضع إضافة جراثيم أخرى في منطومتنا التعليمية ، تتمثل في ندرة الإدارة التربوية الجريئة ، التي تتخذ القرارات التي تسهم بشكل فعال في العملية التربوية والتعليمية ، يضاف إليها أن هذه الإدارات والقيادات التربوية ، ذات عقلية متجمدة صدئة ومخزون فكري لا يقبل التجديد ، ولا يتقبل النصح الرشيد ، وكأنهم هم ولا غير سواهم من يعرف كل شيء في التعليم ومجالاته .
ولقد تناول عدد من الفلاسفة أهداف وغايات التعليم في شتى مراحله ، أمثال التشيكي يوهان آموس ، والإنجليزي جون لوك ، والفرنسي جان جاك روسو ، ومؤسس رياض الأطفال الألماني فوربل ، وغير هولاء كثير . ورغم اختلاف الأهداف التي حددوها ، إلا أنّ الهدف الأهم الذي يترجمونه في أفكارهم هو دور التعليم في بناء الأمم اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً .
ولأنّ منظومة التعليم في بلادنا بمختلف مراحلها بدءاً من الصف الأول الابتدائي ، وانتهاءً بالتعليم الجامعي ، بحاجة ماسّة وعاجلة إلى مبضع جرّاح ، يستأصل ما أحدثته تلك الجراثيم من جروح وشروخ في بنية ومنظومة التعليم ، وإلى مراجعة شاملة وعميقة جداً .
وقد تعاطى بعض الكتّاب المهتمين والمختصين – وكاتب هذا المقال خطّ خمسة مقالات بهذا الخصوص – شخصوا بعض مشاكل التعليم العام والجامعي ، الحكومي والخاص ، وطرحوا بعض الأفكار التي قدّروا أنها تساهم في الحل ، غير أنّ وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ، والجهات المختصة الأخرى ، جعلت أذناً من طين وأذنًا أخرى من عجين ، ولم تحفل بما يقدم من طروحات وأفكار تساهم في بعث وغربلة العملية التعليمية ، نزولاً عند قول ” وما أريكم إلا ما أرى” ، ولسان حالهم يقول : نحن الأكثر معرفة ببواطن الأمور ، والأعظم دراية بخبايا وخفايا التعليم ، وما أفكاركم ، أيها المتطفلون ، إلا غثاء كغثاء السيل ، لا قيمة لها .
في الغرب تتابع الدوائر الحكومية ما يُكتب في وسائل الإعلام ، وما يصدر عن المفكريين والكتّاب ، ويُخضعون كل ذلك للتحليل والبحث والنقاش والدراسة ، تأخذ منه المفيد حتى ولو تعارض ذلك مع أراء المسؤولين فيها ، نعم إنهم لا يُهملون رأياً ولا يستصغرون فكرة
إنّ الحديث هنا لا يُقصد به الكمّ فحسب ، وإنما يُقصد به أيضاً نتاج التعليم وجودته ، وما يصاحبه من أساليب وأدوات ، فالكمّ لا بدّ أن يكون هادفاَ ومقنّناً وليس مجرد حشوٍ للمنهج وعقل الطالب ، حينها يصبح ضرورياً بالنسبة للتعليم ، يؤتي ثمراً طيباً ، يستند على رؤية محددة واضحة المعالم تواكب الطفرة العلمية ذاتها . وعلى ذلك فإنّ جودة التعليم لا يُقاس بحجم ووزن الحقيبة المدرسية التي يحملها طلاب المدارس ، ولا بطول اليوم الدراسي ، ولا بعدد الحصص الدراسية، ولا بألوان الكتب الدراسية ، وإنما يُقاس بالحصيلة العلمية ، وما يكتسبه الطالب من ملَكات في البحث العلمي والإبداع والابتكار ، وما يمكن أن يضيفه ذلك إلى أفكار واعدة تخدم المجتمع وتواكب تطوره .
وفي حقيقة الأمر فإنّ الشكوى من ضعف مخرجات التعليم تُسمع من المؤسسات الرسمية قبل الخاصة ، وكم كان صادماً لي ولغيري أن يذكر البعض إلى أنّ التعيينات التي جرت مؤخراً شغلها خريجوا جامعات خارجية ، وعلى الفطين اللبيب أن يفهم سبب ذلك .
واستناداً إلى المادة ٥٣ من قانون مجلس عمان ، وعلى فهمنا لها ، فإنّ كاتب هذا المقال يقترح على مجلس الدولة ، وباعتباره جهة محايدة ، إقامة مؤتمر وطني لدراسة ومناقشة واقع التعليم في بلادنا ، على أن يشارك فيه جميع الأطراف ذات العلاقة ( الطالب ، المدرس ، ولي الأمر، المؤسسات التعليمية ، الجهات المشرفة على المنظومة التعليمية ، بالإضافة إلى المتخصصين في ذات المجال) ، ومن ثمّ الخروج برؤية أو استراتيجية تعليمية تلبي آمال الوطن وتطلعات أبنائه ، يتم تنفيذها ومتابعتها وتقييمها دورياً .
فهل سيلقى هذا المقترح تجاوباً من مجلس الدولة ؟ أم أنه سيلاقي الصدود عنه وإهماله، كما لاقاه في السابق من مجلس التعليم !؟ والسلام عليكم .