المادة 3 من قانون الإثبات ” الوقائع المراد إثباتها في الدعوى”
كتب : د.محمد عبدالله سعيد الجهوري
نصت المادة 3 من قانون الإثبات في المواد المدنية و التجارية على أنه { يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة في الدعوى، ومنتجة فيها، وجائزا قبولها }.
ولما كان نظام الإثبات يهدف لإظهار الحقيقة، فيجب أن تكون هناك شروط تجعل الواقعة صحيحة، فلزاما أن تكون الواقعة محل نزاع ومحددة ومتعلقة في الدعوى ومنتجة فيها.
فشرط ذلك أن تكون الوقائع المراد إثباتها أن تتعلق في الدعوى أي محل نزاع بين الأطراف لا منفصلة عنها، كما يجب أن تكون محدده تحديدا نافيا للجهالة قابلة للإثبات فتكون محصورة وواضحة، فالمحكمة من تلقاء نفسها تحكم برفض الدعوى أن رأت أن الوقائع غير متعقلة بالدعوى وغير منتجة فيها،
وقاضي الموضوع هو صاحب الكلمة الفصل فيما إذا كانت الواقعة التي يطلب إثباتها متصلة بالدعوى من عدمه، إلا أنه يتعين على القاضي أن يبين ذلك في أسباب حكمه ، وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية في الطعن المدني رقم 6/لسنة 23 قضائية صادر بجلسة 25/10/1956.على أنه { لا على المحكمة إذا هي لم تستجيب إلى طلب الإحالة على التحقيق إذا استبان لها أن إحالة الطالب إليه غير منتجة وأن لديها من الاعتبارات ما يكفي للفصل في الدعوى حتى مع التسليم بصحة الوقائع المطلوب إثباتها }.
وفي حكم أخر أشارت إلى أن النعي بعدم عرض الطاعن على النيابة العامة خلال 24 ساعة من القبض عليه غير مجد ما دام أن هذا الإجراء لم يسفر عن دليل منتج من أداة الدعوى . { نقض جنائي رقم 11473لسنة 87 قضائية صادر بجلسة 12/10/2019.}
بيد أنه يجب أن نعلم بأن الوقائع القانونية نوعان: الأول: أعمال قانونية وهي مجرد اتجاه الإرادة نحو إحداث أثر قانوني معين، وهو أما أن يصدر من جانبين كالبيع والإيجار وغيرهما من العقود، وإما أن يصدر من جانب واحد كالإقرار والوصية، والثاني: أفعال مادية وهي أمر محسوس يرتب عليه القانون أثرا سواء أكان حدوث ذلك الأمر إراديا أو غير إرادي كالفعل الضار والفعل النافع والقرابة والجوار.
ويشترط في الواقعة القانونية المطلوب إثباتها:
1- أن تكون محددة وهذا الشرط بديهي لأن الواقعة غير المحددة تبقى مجهلة ويستحيل إثباتها ويجب أن يكون تحديد الواقعة كافيا حتى يمكن التحقق من أن الدليل الذي سيقدم يتعلق بها لا بغيرها، فإذا كان محل الإثبات عقدا وجب بيان نوعه وتعيين محله، كان يذكر مثلا أنه عقد بيع عقار معين بأوصافه وحدوده وأن يعين تاريخه، وأن كان وفاء بدين وجب بيان زمانه ومكانه والدين الموفي به ومقداره.
2- وأن كان تعويضا عن اعتداء وجب بيان نوع الاعتداء كضرب مثلا، وتعيين الضارب والمضروب وزمان ومكان الضرب، أما الادعاء بعقد أو بوفاء أو بفعل ضار دون بيان خصائصه التي يتعين بها فلا يكون قابلا للإثبات.
و قالت محكمتنا العليا الموقرة في حكم لها (…. أن سلطة القاضي في توجيه اليمين ليست قاصرة على الشروط الموضوعية المستلزمة في الواقعة محل الإثبات بحيث للمحكمة أن ترفض توجيهها إذا كانت الوقائع التي توجه بشأنها اليمين غير متعلقة بالدعوى أو غير منتجة فيها أو غير مجدية أو غير جائز قبول إثباتها باليمين الحاسمة كما هو الحال في التمسك بها بالمخالفة لما هو ثابت بحكم قضائي بات أو لما سبق ثبوته بإقرار الخصم أو كانت مخالفة للنظام العام والآداب…) { طعن تجاري رقم 51/2007 صادر بجلسة 25/4/2007 } .
وجاء لها في قرار رقم 187 في الطعن رقم 184/2005 على أن الدفاع الذي يتعين على المحكمة أن تجيب إليه الخصم والذي بترتب على عدم إجابتها له الإخلال بحق الدفاع هو ذلك الدفاع الذي يتمسك به الخصم ويدلل عليه بما يثبت جدواه وجديته.
كما يجب أن تكون الواقعة غير مستحيلة وجائز قبولها ولا يوجد ما يمنع قانونا إثباتها، وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه (يشترط في الواقعة محل الإثبات أن تكون جائزة القبول وليست مما يحرم القانون إثباتها لأغراض مختلفة، وحظر الإثبات إذا كان منطويا على إفشاء لأسرار المهنة أو الوظيفة لا يتعلق بواقعة يحرم إثباتها وإنما يتعلق بدليل لا يجوز قبوله في صورة معينة، بمعنى عدم جواز القبول لا ينصب على الواقعة في حد ذاتها، بحيث تكون الواقعة التي يقف عليها الشخص بسبب وظيفته أو مهنته جائزة القبول ولكن لا يجوز إثباتها بشهادته.} { الطعن رقم 674لسنة 46 قضائية صادر بجلسة 28/ 1979 }.
لذا فإن من يدعي واقعة له الحق في إثباتها متى اكتملت الشروط المبينة في المادة فإذا لم يمكنه القاضي من ذلك فيكون أهدر حقه وبالتالي يصبح الحكم معرضا بالطعن أمام المحكمة الأعلى.
وافتقار الدعوى إلى الدليل لا يمنع من الحكم فيها، فإذا عجز المدعي عن إثبات ما يدعيه حكم برفض هذا الذي يدعيه وإذا أثبته وعجز المدعي عليه عن دحضه قضى به عليه .
و من المقرر أنه يجوز تقديم الإثبات بجميع أنواعه من كل من الخصمين في أية حالة تكون عليها الدعوى وأمام أي درجة من درجات التقاضي إلى حين إقفال باب المرافعة فيها بل يجوز للمحكمة فتح باب المرافعة من جديد لإجراء الإثبات الذي طلبه الخصم متى كانت العدالة تستوجب ذلك.
هذا ما تيسر بيانه على أمل مواصلة التوعية القانونية في وهَجٌ قانوني آخر.