صنم التعًصب
بقلم: عبدالله بن حمدان الفارسي
كان العهد مع النفس ألا يكون هناك تفاعل ولا تحزّب مع أحداث ومجريات، ونتيجة مباراة بما يسمى كلاسيكو الأرض مهما كانت النتيجة، التي يكون طرفاها فريقي ريال مدريد وبرشلونة الأسبانيين، وألّا أضعها (نفسي) بمكان المراقب المتحفّز، ولا المترقّب المتوتّر، ولا المشاهد المتجهّم، حيث جرت العادة وساد التعوّد على أن مثل هذه المناسبة ليست كمثيلاتها، من حيث إضفاء وإدخال مشاعر البهجة في القلوب لمجرد اقتراب موعد المناسبة أو الحدث وانتظار قدومه، وأيضا معايشته الآنية بكل لحظاتها السعيدة ومشاركتها مع الآخرين، وامتداد خيوط البهجة إلى ما بعد انتهاء المناسبة لا سيما إن لم يتخللها ما يعكر صفوها من صروف الدهر، ولكن أحداث مباراة الفريقين اللذين ذكرتهما أمر في غاية الاستثناء، وفوق مستوى الاعتياد الطبيعي، بدءاً من الوقوف والترقّب لموعد إقامتها (المباراة) إلى مابعد انتهائها، وللتمكن من متابعة أحداثها تحتاج لجلب جبل جليدي؛ لوضع ما تبقى من الأعصاب فيه، وأيضا المزيد من المهدئات والمنبهات، وإلا سينتهي بك المطاف بإذابة كل ما حولك لسخونة وحرارة ماتمر به، وقد يمتد الأمر إلى الاشتباك اليدوي أو اللفظي لأمر خارج عن الإرادة والإدراك الحسي.
شخصيا لا أتذكر بداية ارتباطي بهذا الحدث بالتحديد، وماهو الدافع الذي جعل مني منتميا حسيا وفكريا لهذا الفريق دون سواه؟ وأيضا متى بدأت علاقتي بالتشجيع والتعصب لهذا الفريق دون الآخر؟ وماهية الأسباب التي دفعتني للتحيز لدرجة التشنج في حالة فوز الفريق الذي أشجع أو هزيمته؟ ويزداد الوضع قتامة وكآبة، والدخول في دائرة الاكتئاب النفسي، والانعزال الأسري والمجتمعي المؤقت في حالة الهزيمة، والعكس تماما حين يحالف الفريق الحظ والفوز على غريمة التقليدي، حينها يتولد لديك شعور خرافي، مرافق لتناغم وانسجام كافة حواسك الخمس مع احتمال قابلية ولادة حاسة سادسة لديك، خاصة بالحدث والمشهد ذاته، شعور يحمل ما يحمل من انتماء وإخلاص لا مثيل لهما، لدرجة الاستعداد بإشهار كافة الأسلحة المتاحة لديك في وجه المشجع الضد، وهنا لا يتوقف الأمر على درجة قرابة النسب والأخلاء، فمن أجل الفريق الذي تشجع بالإمكان محالفة العدو، والوقوف ضد منّ هم من شيعتك، عصبيّة مفرطة لا مبرر لها، لا من الناحية الإنسانية ولا الأدبية، كيف وصل بنا الحال لمستوى التقاتل اللفظي، والتعارك الفكري، والتباين الأسري، وليس مستحيلا فقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك، ولك أن تتخيل الأبعاد السلبية التي تكون نتاج ما تضخه مثل هذه الظاهرة فينا، علما بأن المثير للجدل والسؤال الذي يفرض نفسه على الساحةالعقلية وعلينا نحن المشجعين غير الاعتياديين لما نمارسه من أنماط ليس لها علاقة بالسلوك السوي، وما هو النفع العام والعائد المادي على المستوي الشخصي لنا في حالة فوز الفريق، وانهمار سيل الجوائز والمكافآت على ممثليه الفعليين، وما نصيبنا نحن من تلك الكعكة الكبيرة المتقاسمة بينهم، والتي لا ننال منها سوى التخاصم والتناحر والتقاذف بالكلمات التي لا تمت لمبادئ العقل والتعقّل، ومن أجل ماذا؟ من أجل كيان اعتباري، ليست لنا علاقة مباشرة به من كافة الاتجاهات والتوجهات الممكنة، خارجا وبعيدا عن هذه المهزلة الوضيعة التي وضعنا وحصرنا أنفسنا في نطاق سياجها الشائك، ما يتوجب علينا فعله هو التمعن والتمحص في الأمر بكل عقلانية وموضوعية، وذلك بطرح المشهد برمته على طاولة التفكر والنقاش المنطقي، ولو على المستوى الفردي بين الذات والذات، ولخلصنا لنتيجة إن مثل هذه الممارسات والسلوكيات لا ترقى لعنان العقل السليم والفطرة السوية، ولا إلى الهوية الدينية التي منَّ الله بها علينا، والتي دائما وأبداً ما ترشدنا إلى الصراط المستقيم.
لا مانع من ممارسة الهواية بما يعود بالنفع العام، والتشجيع بما يوحي أن التنافس شريف ومشروع، والغاية منه جذب وترغيب وتشجيع مهذب للعبة وللتسلية المقننة، بمعنى آخر لنقول للفائز مبارك، وللخاسر حظاً أوفر مع التصافح والتعانق الأخوي، بهكذا تصرف نلغي نبرة التحدي الأرعن، والتحزب المقيت، والتشنج الذي يصل بالبعض إلى حافة الموت، وأقلها التفرق والتفكك الأسري ، كذلك الابتعاد عن تنمية وترسيخ هذه الأفعال في عقول النشء، خاصة إن الفريقين المذكورين ليسا من خصائص ومدخرات الوطن، ولا منفعة منهما له، ولا للمواطن.