هل أضاعت مثاليتنا مصالحنا الاقتصادية!
بقلم: د. محاد الجنيبي
(مركز المياه الهادئة للدراسات الاستراتيجية والقانونية)
لم تعد النظرية المثالية منهجا يمكن الاعتماد عليه في تحديد سياسات الدول و نسج علاقاتها الدولية، ذلك لأن ما هو مثالي في حضارة معينة ليس بالضرورة أن يكون كذلك في الحضارة الأخرى، وليس هناك من نسق معين للقيم و المبادئ التي تنتهجها النظرية المثالية، و يكون في ذات الوقت متفق عليه من قبل الجميع، علاوة على ذلك فإنه وإن اتفقت الأمم على هذه القيم و المبادئ الأساسية (العدل، السلام، المساواة، التعاون، حقوق الانسان، البيئة،….وغيرها)، فليس هناك ما يمنع اختلاف تأويلها، فعلى سبيل المثال إن أخذنا قيمتي العدل و السلام و أسقطناهما على القضية الفلسطينية، سنجد أن معنى القيمتين أن تكون هناك دولة إسرائيلية و أخرى فلسطينية، فهل هذا هو العدل و سيؤدي الى السلام؟.
في قراءة متأنية للأحداث والصراعات بين الدول، نجد أن الواقعية السياسية هي النظرية المهيمنة على العلاقات الدولية، وأن المصلحة هي السمة الغالبة، وأن مقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، كانت وستظل الترجمان الحقيقي لتصرفات الدول.
وبإسقاط هذا الوضع على العلاقات العمانية مع محيطها الإقليمي و الدولي، نجد أن عمان اتخذت مسارا مثاليا أكثر من اللازم، الأمر الذي وضع مثاليتها أمام واقعية الأخرين، ففقدت العديد من المصالح السياسية والاقتصادية، وبالعودة الى أدبيات السياسة الخارجية العمانية، والتي خطت في موقع وزارة الخارجية العمانية، نجد إشارات عديدة للواقعية السياسية العمانية في علاقاتها الدولية، ولكن عندما نبحث في نتائج علاقات السلطنة مع الأخر، نجد أن النظرية المثالية هي الطاغية على النهج العماني، فماذا نفسر علاقاتنا السياسية الدولية الناجحة مع جل دول العالم مع تواضع المصالح الاقتصادية مع هذه الدول، كما كيف لنا أن نفسر تعامل المجتمع الدولي معنا في مسائل كثيرة أهمها التحديات الاقتصادية و التحديات الصحية و الاستثمارات الخارجية وملف حقوق الانسان؟. إنها الواقعية السياسية ولغة المصلحة والقوة التي يجب على لسان السياسة العمانية أن يتغنى بها مع الشقيق والصديق أو حتى العدو.
واليوم ونحن نخطو خطواتنا الأولى في العهد الجديد، نتطلع أن تكون الواقعية السياسية نهجا لكل علاقاتنا الدولية، ونضع مصالحنا الاقتصادية والسياسية والأمنية غايتنا الأولى في تلك العلاقات.