خروج أمريكا من أفغانستان هل هي نهاية حقبتها القوية؟!
بقلم:جمال الكندي
الانهيارات المتسارعة والغير متوقعة للجيش الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتسارع سيطرة “طالبان” على الجغرافية الأفغانية بعد عشرين سنة حرب مع أمريكا والحكومة الموالية لها، يضع أمامنا علامة استفهام كبيرة، في حقيقة قوة أدوات أمريكا في المنطقة التي تأتي مع الدبابة الأمريكية، وفي مدى قابلية الشعوب لها بعد رحيل المحتل.
ما حصل في أفغانستان دليل عملي، على أن الذي يأتي بحماية المحتل لا مكان له بعد زوال هذا الاحتلال، ومشهد فرار القادة السياسيين والعسكريين الأفغان الذين حاربوا مع الأمريكان ضد “طالبان” سيبقى في ذكرة الشعوب الحرة التي تناضل من أجل الحرية وبناء دولة الاستقلال الوطني.
أمريكا كانت لها رهاناتها للسيطرة على المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر بدايةً من أفغانستان والعراق وسوريا ونهاية بإيران، وأقصد بها السيطرة المباشرة عبر قناتين : الأولى عن طريق الزج بجيوشها في المنطقة تحت أي ذريعة ، وذرائع أمريكا معروفة وجاهزة ومعلبة يعرفها الجميع (حقوق الإنسان، نشر الديمقراطية، القضاء على الإرهاب وغيرها من الذرائع ) أثبت هذا المشروع فشله في العراق واليوم في أفغانستان ، كما فشل في السابق في فيتنام . وعلامات فشل هذا المشروع خروج أمريكا عسكرياً من هذه البلدان وعدم قدرتها على تكوين حكومة موالية له بعد الانسحاب قادرة على السيطرة على الأرض، وما نشهده من أحداث دراماتيكية لانهيار الجيش الأفغاني، الذي هو صناعة أمريكية خالصة دليل على ذلك. القناة الثانية لسيطرة الأمريكية على المنطقة كانت عبر الأدوات الإرهابية سواء داعش أو القاعدة، ودخول المنطقة تحت شعار محاربة هذا الإرهاب، طبعا هذا المشروع فشل في العراق وسوريا، حيث كان هدف أمريكا في هاذين البلدين هو تقسيمهما أو تغيير نظامهما.
هذه الأدوات الإرهابية صناعة أمريكية باعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق ” هيلاري كلينتون” حيث قالت “نحن صنعنا داعش”، فهي كانت ورقة الرهان الأكبر لأمريكا لتغيير المنطقة بعد فشل التدخل المباشر عبر جيوشها.
إن صمود شعوب هذه البلدان هو الذي أفشل مخططات أمريكا في المنطقة، مع الاعتراف بالخسائر الكبيرة في الأرواح، والتدمير الممنهج للبنى التحتية التي سببها مشروع أمريكا في المنطقة عبر هاتين القناتين.
اليوم تأتي افغانستان لتثبت فشل نظرية أمريكا في المنطقة عبر رهاناتها، فبعد عشرين سنة من الاحتلال وإعداد حكومة موالية لها في أفغانستان إنهار كل شيء تم بناءه على مدار هذه السنين، فبعد خروج أمريكا المذل من أفغانستان وسيطرة “طالبان” بصورة سريعة ومن دون مقاومة من جيش أفغاني صرفت عليه المليارات من الدولارات في تدريبه، وتسليحه دليل على ضعف هذا الجيش، وعدم وجود عقيدة قتالية قوية وثابتة يقاتل من أجلها، لذلك سلم أغلب مواقعه العسكرية من دون قتال. هذا يدل كذلك على القبول المجتمعي والشعبي لحركة “طالبان” في أفغانستان.
الاتفاق الذي أبرم بين طالبان والأمريكان في قطر ترجم سريعاً على الأرض، وكان على حساب الحكومة الأفغانية، التي لم تصمد طويلاً بعده، فحسب ما تم تداوله من بنود هذا الاتفاق الذي يبدأ بوقف أطلاق النار وبعدها يتم إطلاق حوار سياسي بين “طالبان والحكومة الأفغانية على أساس المشاركة السياسية في إدارة البلاد، ولكن الانهيار الكبير الذي شهدناه في الجيش الأفغاني يوحي بأن هنالك صفقة تمت بين “طالبان” وأمريكا والخاسر فيها هي الحكومة الأفغانية، فأمريكا باعتها من أجل خروج آمن لها من المستنقع الأفغاني.
هنالك سؤال كبير يطرح بعد خروج أمريكا المذل من أفغانستان وهو هل ستترك أمريكا هذا البلد يحكمها أهلها من غير الهوى الأمريكي؟ أم ستدخل عبر القناة الثانية وهي الحرب بالوكالة، وأول بواباتها هي الفتنة الداخلية. امريكا تعلم أهمية أفغانستان سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وبأن لها حدود مع دول جوار تختلف مع السياسات الأمريكية في المنطقة، وأقصد هنا إيران والصين وروسيا، لذلك أمريكا تخشى أن تعقد “طالبان” اتفاقيات مع هذه الدول تؤثر عليها.
أهمية أفغانستان بالنسبة لأمريكا ودول جوارها خاصة العاصمة “كابول” تكمن في أنها تقع على طريق التجارة في جنوب ووسط أسيا ، وهي منفذ إلى شمال الهند وباكستان ويخرج منها طريق إلى شمال إيران وأسيا الوسطى ، وأمريكا تدرك أهمية أفغانستان لدول جوارها، لذلك سارعت هذه الدول لعقد تفاهمات في إيران مع طالبان قبل الخروج الأمريكي منها لأنها تدرك أن أمريكا ستخرج، ولكنها ستنفذ الخطة البديلة وهي الفوضى الأمنية عبر أدواتها المعروفة، وكذلك في إثارة النعرات العرقية عبر الأقليات الغير بشتونية. حيث تتكون التركيبة السكانية في أفغانستان من الأفغان البشتون وهم الأغلبية التي تقدر بأكثر من 50% ، وطالبان من هذه العرقية، وطاجيك، وأوزبك، والهزارة ،وهذه المكونات هي التي كانت وقود الحرب الأهلية الأفغانية بعد خروج السوفييت منها.
إن شيطنة أفغانستان وجعلها غير مستقرة أمنياً هي ورقة أمريكية محتملة، فسيناريو العراق وسوريا قابل للتطبيق أمريكياً في أفغانستان، فعن طريق أدواتها تقدر أن تجعل هذه البقعة غير مستقرة وتؤثر على دول جوار أفغانستان الذين لا يتوافقون مع الرؤية الأمريكية في المنطقة، وتستطيع أمريكا بعد خروجها أن تجعل هذه الدولة من ضمن الدول الفاشلة في المنطقة بصناعة أمريكية كما فعلت مع غيرها، ولكن الذي تعول عليه دول جوار أفغانستان هو وعي الشعب الأفغاني وقبله حكومة طالبان الجديدة لهذا السيناريو وإفشاله في مهده عبر التطمينات الداخلية لكافة الشرائح الأفغانية بأن تكون حكومة طالبان حكومة عدل ومساوة وحكومة جميع الأفغان، وبالمقابل ترسل طالبان رسائل تطمين لدول جوارها أنها لن تكون المنطلق والقاعدة لتهديد أمن هذه الدول .
إن فشل أمريكا في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها من الدول يثبت بأن ما بنته أمريكا لتكون القطب الأوحد بعد تفكيك الإتحاد السوفيتي السابق بات من الماضي، والعالم اليوم يتجه إلى عالم متعدد الأقطاب، قاعدته التشابك وليس الإشتباك، عالم مبني على التحالفات الاقتصادية والسياسية والأمنية ينطلق من قاعدة المنافع المشتركة بين البلدان. فهل تدرك أمريكا ذلك وتعي بأن زمن هيمنتها على العالم قد انتهى؟!