صباخ صور بين النكبة وما بعدها
وهج الخليج- منى المعولي
تساؤلات عدة تثير تساؤلات أخرى أبسطها هل ما زلنا نعاني ضعفا حقيقيا في إدارة الأزمات؟
لماذا تأتي التحذيرات عن الحالات الجوية خجولة وغير لحوحة مقارنة بما يحدث بعدها؟
لماذا ما زلنا نرى الجهات تتخذ مبدأ ردة الفعل في تنفيذ أعمالها
وتفتقد التخطيط والجاهزية في إدارة الأزمات والكوارث؟
للمرة الثانية على التوالي بعد الحالة الجوية السابقة التي أثرت على عدة ولايات في شمال الباطنة وأحدثت أضرارا مادية كبيرة، يتكرر الموقف اليوم في قرية صباخ بولاية صور وحول ما حدث، تسرد علينا حسناء الداودية أحد المواطنات من الولاية وهي ناشطة اجتماعية لها لمسة وصدى في كل الأحداث التي تخص مساحتها وقريتها.
تحدثنا حسناء من قلب الحدث، من قلب القرية المنكوبة، القرية الغارقة في تفاصيل المطر والأودية والأحداث قائلة :
كانت الأوضاع هادئة طبيعية في صباح يوم الجمعة، حيث بدأت تتجمع السحب وعلى الساعة التاسعة بدأت الأمطار تهطل بغزارة وكانت الأجواء جميلة مفرحة واستمرت حتى الساعة العاشرة والنصف حين تلقيت مكالمة هاتفية من أختي التي تقطن في نفس الحارة السكنية التي أعيش فيها “صباخ” تطلب مني أن أبعث أبنائي لمساعدتها لأن الماء بدأ يدخل في بيتها
تقول حسناء استغربت من ذلك وأجبتها أن الوادي لم يجري بعد ولكن أختي أكدت لي أن الوادي بالفعل قد بدأ في الجريان وبدأ بالدخول إلى منزلهم
تتابع حسناء : المشكلة أن تقرير الأرصاد رقم (٣ ) أشار إلى أن الأمطار متفاوتة الغزارة ولايوجد تحذير خاص ينبه إلى إمكانية جريان الأودية أو ارتفاع منسوب المياه بل هو تقرير فقط حتى فاجأتنا المياه تغمر المنطقة بارتفاع مترين تقريبا وعلى الساعة ١١ صباحا اقتحم الوادي الجارف القرية من جهة رصاغ فإذا به بعد عشرين دقيقة يغرق بيوتنا بالكامل ، مما حذا بنا إلى اللجوء للطابق الثاني في المنزل ولم نستطع أن ننقذ شيئا.
كان أبنائي قد ذهبوا لإنقاذ عائلة خالتهم فإذا بي أواجه ذات المصير بشكل مفاجىء أما الأهالي أصحاب البيوت الصغيرة لجئوا إلى السطوح
تسرد حسناء التفاصيل قائلة لم تمر علينا أي وحدة دفاع على مدى خمس ساعات من فيضان الوادي للمنازل ونحن على تلك الحال، تواصلنا مع أرقام العمليات ومكاتب المسؤولين ولا مجيب حيث يبدو أنهم كانوا يتعاملون مع الحالة الطارئة في مستشف صور ، ولكن على الجانب الأخر كان هناك أسر وكبار سن ومرضى وأطفال ظلوا فوق السطوح طيلة تلك الساعات بدون أكل أو شرب أو دواء ورغم ذلك لم تمر علينا أي وحدة انقاذ ولو جوية
كان من الممكن تحريك طائرات عمودية لإنتشال الناس من السطوح أو إنزال سلال غذائية للعالقين وهناك بعض العالقين من كبار السن والمعاقين واجه الأهالي صعوبة في رفعهم إلى السطوح، وفي تمام الساعة الرابعة والنصف لمحنا أول طائرة عسكرية وظننا أنها دعم وإنقاذ بينما اتضح أنها كانت مختصة للتصوير، وبقينا على ذلك الحال حتى السادسة مساء عندما انحسر الماء عن الصباخ حيث بدأت بعد ذلك عناصر الإنقاذ باجلاء العالقين في شاحنات عسكرية على دفعات.
لم تكن قرية صباخ أساسا مجرى للوادي ولكن كانت المنطقة المجاورة لصباخ وهي جزير هي مجرى الوادي الذي يصب في البحر مباشرة ولكن بسبب عدم اكتمال مخطط منظومة الحماية من الفيضانات والتي يعتبر السد جزء منها تسبب ذلك بارتداد المياه، وتضاربت الأقوال إن كان ما رجع علينا هو ماء البحر المرتفع أو الماء من الاودية التي لم تدخل في مجرى السد أو هو الماء الناتج عن فيضان السد ذلك اليوم.
لقد عشنا في صباخ منذ عام ١٩٨٤ وكانت الأوضاع عادية ولا يمر على القرية أي وادي طوال سنوات حسب ما عشت فيها وذكر سكان الحارة منذ عهد النهضة.
وقد توالت النكبات المائية التي تغرق القرية حيث كانت أول مرة في منخفض فبراير ١٩٩٨، وجاءت الثانية في إعصار جونو ثم تلاه إعصار_فيت والرابعة في إعصار أشوبا وتلاها أخدود جوي عام ٢٠١٩ والآن منخفض العرب أو اخدودالحج.
ست نكبات والناس تبكي فقدان مالها وحالها بحرقة ودون حل جذري من الدولة حتى اليوم
يقول أحد أهالي المنطقة :
إنه عندما يرتفع منسوب الماء في السد يفترض أن يطلق إنذارا حيث تتوفر فيه حساسات مما يعطي فرصة للتنبيه المبكر للقريبين من منطقة السد أو من هم على مجرى الأودية بالتحرك والاجلاء قبل دخول الأودية عليهم
ولكن كل ذلك لم يحدث أبدا.
وما زالت قرية “صباخ” بولاية صور تعيش تداعيات ما حدث وما زالت تزيح الطين العالق والأتربة التي غطت طاقاتها ومنازلها، وما زالت مضاعفات الأزمة تفرز مباغتتاها وبانقطاع المياه الصالحة عن الشرب مؤخرا زادت معاناة المتضررين
تختتم حسناء الداودية هذا الحوار مناشدة الجهات المعنية بطرح الحلول الجذرية وتقول لا نريد زيارات ووعود بالحلول وتنظير يبقى في أدراج النسيان ولا ننتظر الحلول اللحظية إنما لابد من الحل الحاسم لكي لاتتكرر النكبات
وتدعو أن يشمل الله برحمته ومغفرته من توفى غرفا إثر الأجواء الأخيرة وتتمنى أن يعود المفقودين بخير وسلامة وأن تنقذهم العناية الإلهية.