اللقاح بين الرفض والإختيار ومشروعية الإلزام
وهج الخليج- مسقط
تباينت ردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي بين شد وجذب ونقاش وبين مؤيد ورافض لتصريح معالي الدكتور أحمد السعيدي – وزير الصحة- في المؤتمر الصحفي الأخير للجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن جائحة كوفيد-19 : “أن الشخص الذي يرفض تلقي التطعيم بدون أي سبب طبي واضح سيكون هناك إجراءات سيتم الإعلان لاحقا عنها، حيث لا يمكن أن يتم السماح للأشخاص بنشر هذا الوباء إذا كانت وسائل منع هذا النشر متوفرة”
الأمر الذي جعلنا نستقصي المشرع القانوني حول هذا الإجراء، خاصة أن اللقاح في المراحل الأولى للمرض لم يكن بالإجباري، إلا أنه مع التطور الذي حدث للفيروس التاجي وكثرة السلالات المتفشية عنه وقوة فتكها وبطشها بالبشرية وقضائها على أكثر من مليون شخص على مستوى العالم فكان لابد من أن تراجع الدول قرار اختيارية أخذ اللقاح.
فكانت لنا وقفة استيضاحيه مع أصحاب الاختصاص القانوني للحديث عن السندات القانونية حول هذا الإجراء .
حيث استهل عبد العزيز بن راشد الشافعي حديثه في هذا الشأن قائلا: أنه من المسلم به أن الأمن الصحي ذو صلة وثيقة بالصحة العامة والتي تعتبر أحد مكونات النظام العام الذي تسهر على حمايته السلطات العمومية المختصة تطبيقا لمجموعة من النصوص التشريعية، حيث أن الأمن الصحي هو الإجراءات والتدابير التي تتخذها السلطات العمومية للحفاظ على الصحة العامة.
وأضاف: إنه إلى جانب السلطات الصحية هناك مجموعة من السلطات الأخرى وعلى رأسها السلطات الأمنية تتولى القيام بأدوار في غاية الأهمية، بغية تطبيق ومراقبة وفرض احترام التوجيهات الصحية والتعليمات الصادرة من السلطات العمومية والتي تتوخى الحماية والوقاية من جميع المخاطر والأسباب التي يمكن أن تساعد على تفشي أو انتشار الأمراض والأوبئة.
ووضح الباحث القانوني القانون عبدالعزيز الشافعي : أنه نظرا لأهمية الأمن الصحي وارتباطه بمختلف عناصر النظام العام، وبالنظر لآثار الأمن الصحي على الاقتصاد والتنمية، فالدول المتقدمة هي التي تجعل الأمن الصحي للمواطن أحد أهم مرتكزات الأمن الشامل لها وللمجتمعات الإنسانية كافة
وتجدر الإشارة إلى أن المخاطر التي كشف عنها فيروس كورونا – كوفيد 19- هي التي شكلت الدافع الرئيسي للسلطات العمومية في أعلى مستوياتها بقصد اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير الهادفة لمواجهة جائحة كورونا والحد من المخاطر الناتجة عنه، وعلاوة على ذلك، ولعل من المفيد أن نؤكد بأن التعامل مع مرض كوفيد19 هو تعامل مع مرض مبهم كون أنه إلى الآن لم يتم الكشف عن مسبباته الحقيقية ومازال يمر بمرحلة تحورات مختلفة تتميز بشدة الأعراض وسرعة الانتشار ، الأمر الذي لا يخفى على أحد في كون الموضوع حديث وانشغال العالم أجمع.
وقد تضمنت المادة (49) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/21 على اتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة، أو وحدة أراضيها، أو أمن شعبها ومصالحه، أو يعوق مؤسسات الدولة عن آداء مهامها…”.
وقد صدرت التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – في بيان ديوان البلاط السلطاني الصادر بتاريخ 10/3/2020م، الذي جاء فيه ” تشكل لجنة عليا تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كرونا “كوفيد 19″ ، وذلك في ضوء المعطيات والمؤشرات الصحية المستجدة وما يصدر عن منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن .
وقضت الأوامر السامية بتشكيل اللجنة برئاسة معالي السيد وزير الداخلية وعضوية عدد من أصحاب المعالي والسعادة ، على أن تتولى اللجنة رصد تطورات الفيروس والجهود المبذولة إقليميا وعالميا للتصدي له ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأن ذلك ، ووضع الحلول والمقترحات والتوصيات المناسبة بناء على نتائج التقييم الصحي العام ، بحيث تستعين اللجنة بالأدوات والإمكانيات اللازمة لإنجاح المهام المنوطة بها .
كما تضمن البيان الصادر عن اللجنة العليا التي تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) الصادر عن الاجتماع رقم 23 بتاريخ 30/6/2020م ، في النقطة السادسة منه ما يلي: ” دعت جميع المؤسسات في القطاعين العام والخاص إلى ضرورة توفير بيئة التباعد الجسدي ومراقبة التزام جميع موظفيها والمستفيدين منها بالإجراءات الاحترازية، ورصد المخالفين لإخضاعهم للإجراءات التي اعتمدتها في هذا الشأن.
كما تضمن كذلك البيان الصادر عن اللجنة العليا التي تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) الصادر عن الاجتماع رقم 39 بتاريخ 30/11/2020م، في الفقرة الرابعة منه على أنه : ” وأكدت اللجنة العليا على التوجه العام في التعامل مع تأثيرات هذة الجائحة يوازن بين الانفتاح المدروس لمختلف الأنشطة في إطار عملية التعافي في مختلف المجالات، بما يكفل استمرار أداء الدولة لواجباتها واستمرار عمل القطاع الخاص من جانب، والمتطلبات الاحترازية اللازمة لوقاية جميع أفراد المجتمع من الإصابة بهذا المرض من جانب آخر.
وكذلك الفقرة الخامسة من ذات البيان على ان: ” الحالة الوبائية لهذه الجائحة هي المعيار الأساس الذي سيستمر بناءً عليه اتخاذ القرارات مستقبلاً فيما يخص فتح الأنشطة المختلفة أو العودة إلى إغلاقها، وهو ما يستدعي وضع جميع الضوابط الاحترازية المعتمدة موضع التنفيذ من قبل لأفراد ومؤسسات القطاع العام والخاص”.
وقال الشافعي أن ما يستشف من قرارات اللجنة العليا التي تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) من صلاحيات تقديرية لإدارات الدولة ذات الصلة بالموضوع في اتخاذ ما تراه مناسبا لتقي من انتشار الوباء و الحد من انتشاره المضر و الفتاك،
واسترسل الباحث القانوني عبدالعزيز الشافعي موضحاً : أن الحفاظ على الصحة العامة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدول بمختلف إداراتها، وأنه حرصاً من المشرع على حماية الصحة العامة في هذا الإطار، أوكل لوزير الصحة ولبعض الجهات المعنية، اتخاذ ما يرونه مناسباً في ظل ظهور خطر يهدد الصحة العامة، بما في ذلك إجراءات الغلق للمنشآت سواء أكانت منشآت تجارية أم صناعية أم صحية، وهو ما تم في السلطنة نتيجة انتشار وباء فيروس كورنا باعتباره خطر داهم تعذر تداركه إلى حينه. و هو ما يقودنا إلى الحديث عن السند القانوني الثاني المتعلق بقانون مكافحة الأمراض المعدية، والذي يجيز للمختصين بوزارة الصحة اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمكافحة الأمراض المعدية، والذي سنوجزه حسب التالي:
من جانبها تحدثت مروة بنت سليمان الراشدية – باحثة قانونية عن السند القانوني الثاني بالإشارة إلى
المادة (5) مكرر(8) من المرسوم السلطاني رقم 32/2021م بشأن تعديل قانون مكافحة الأمراض المعدية على أنه: ” يحظر على أي شخص تعطيل أو الامتناع عن تنفيذ الإجراءات والتدابير المقررة لمنع انتشار العدوى او نقلها للغير” .
كما تنص المادة (14) من قانون مكافحة الأمراض المعدية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 73/92 على أنه:” لوزير الصحة أن يصدر قرارا بالتطعيم الإجباري لوقاية المواليد أو فئة معينة من السكان أو جميع السكان من أي مرض معد وفقا لمقتضيات الصحة العامة ويحدد القرار المواعيد والإجراءات التي تتبع في هذه الأحوال”
وأضافت مروة الراشدية أن المادة(18) من ذات القانون تنص على أنه: ” عند ظهور أي مرض وبائي يهدد الصحة العامة يكون لوزير الصحة أو من يفوضه سلطات استثنائية لحماية البلاد من تفشي الوباء وذلك بالاتفاق مع الجهات المختصة”.
وتماشياً مع ما تم ذكره ونتيجة لتطور الوضع الوبائي في السلطنة و تفاقمه تم التشدد في فرض وتطبيق التوجيهات والقرارات بشأن مكافحة الوباء والحد من انتشاره، وضرورة مراقبة تنفيذها وتقيد الجميع بها، سواء على مستوى الأشخاص أو المنشآت بما فيها الصحية و التجارية، وتحريــر المخالفات اللازمة بحق المنشآت والأشخاص غير الملتزميــن بارتـــداء الكمامـــة والتباعــد الاجتماعي، ومتابعـــة مدى التزام المواطنين بساعـــات الحظــــر الجزئي وتحرير المخالفات بحق الأشخاص غير الملتزمين، وتكثيف جولات لجان التفتيش على الأشخاص والمنشآت بما في ذلك الصحية للتأكد من مدى الالتزام بشروط الصحة والسلامة العامة، وذلك بزيادة مستوى الرقابـة عليها والتأكد من التزامها بشروط الصحة والسلامة العامة بما ينسجم والبروتوكول الطبي المعتمد والتأكد من مدى استخدام أدوات الوقاية والكمامات والتباعد الاجتماعي، وحيث تم وضع جميع الضوابط الاحترازية المعتمدة موضع التنفيذ من قبل الأفراد ومؤسسات القطاعين العام والخاص.
وأكدت الراشدية أنه من هذا المنطق يعد قيام الجهات المختصة بأتخاذ قرار بإلزامية التطعيم ضد مرض كوفيد 19، أمرا قانونيا كونه من التدابير الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا ومكافحته أمر ضروري، و وجوب عدم التهاون في تطبيقها لما فيه سلامة الجميع، ولمعاقبة كل من يخالف أو يتجاوز ما ورد بالتعليمات والارشادات الصحية والادارية باتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحقه ووضعه تحت طائلة المسؤولية القانونية والادارية، تطبيقا لما ورد في قانون مكافحة الأمراض المعدية وتعديلاته،
وعليه فإنه تم تقرير العديد من الإجراءات الوقائية، تضمنت التأكيد على تطبيق الإجراءات الاحترازية والالتزام بالتعليمات الصحية في المنشآت الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، و في هذا الإطار يمكن اعتبار عدم التزام الأشخاص المستهدفين بالتطعيم بأخذه في ظل هذا الظرف الاستثنائي – انتشار فيروس كورونا- مبرراً كافياً لاتخاذ قرار بإلزامية التطعيم ، لا سيما وأن المشرع أعطى الإدارة صلاحيات واسعة لمواجهة الظرف الاستثنائي والحد من تفاقمه، من ثم فإن قرار إلزامية أخذ التطعيم في ظل هذه الظروف المحيطة لإصداره يعد قراراً مشروعاً وقائماً على سند من القانون، لصدوره في ظل الظروف الاستثنائية والتي تمنح الإدارة صلاحيات استثنائية لمواجهة الظرف الاستثنائي والمتمثل في ظهور وانتشار فيروس كورونا الذي يستوجب محاربة جميع مصادر نشر العدوى لاحتواء الفيروس الذي أرق الدولة صحيا وأقتصاديا .
وبالعودة إلى اختصاصات وزارة الصحة في المرسوم السلطاني رقم 36/2014 واعتماد هيكلها التنظيمي
نؤكد بأن المشرع عند تحديده هذه الاختصاصات قد أوكل للوزارة باتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من الأمراض سواء أكانت معدية أم غير معدية؛ إيماناً منه بخطورة الأمراض على مقتضيات النظام العام.
وتطبيقاً لذلك فإن المادة (1) من المرسوم السلطاني رقم 36/2014 تنص على أنه :” تحدد اختصاصات وزارة الصحة وفقا للملحق رقم (١) المرفق. وحدد من بين اختصاصات وزارة الصحة في الملحق المشار إليه: ” …، 4-اتخاذ ما يلزم بالوسائل العلمية الحديثة للوقاية من الأمراض سواء أكانت الأمراض المعدية أم غير المعدية…20- إعداد مشروعات القوانين واللوائح اللازمة لتنفيذ هذه الاختصاصات” .
وعليه إذا تكشف لوزارة الصحة حال مباشرتها أياً من اختصاصاتها الواردة بالمرسوم سالف الإشارة إليه في حال ظهور مرض يهدد الصحة العامة، فقد استوجب عليها المشرع في هذه الحالة اتخاذ ما يلزم لمواجهته بالإجراءات والوسائل التي تراها لازمة لمكافحة ذلك المرض، وتشكل الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة إحدى الضمانات المقررة لحماية المجتمع وحفاظاً على الأمن الصحي وإن لم يتم النص عليها صراحة في القانون، فهي عند قيامها بمواجهة الخطر الذي شكله المرض المعدي تضع نصب عينيها ضرورة الموازنة بين حماية الحقوق والحريات العامة وبين حماية الصحة العامة باعتبارها أحد عناصر النظام العام.
واستخلاصاً لما سلف، فإن استعمال الجهة الإدارية لصلاحيتها العامة المعقودة لها بموجب المرسوم السلطاني رقم (36/2014) بشأن تحديد اختصاصات وزارة الصحة واعتماد هيكلها التنظيمي، إضافة إلى الصلاحية الخاصة الواردة بالمادة (18) من قانون مكافحة الأمراض المعدية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (73/92) ، لا يمكن اعتبار الصلاحيات – التدابير والإجراءات – انتهاكاً لأحكام وقواعد القانون، كما أنه لا يعتبر تعسفاً في تقييد الحقوق والحريات العامة للأفراد.