ذكرى يوم النكبة وانتفاضة ثلاثة قد تغير المعادلات الداخلية والخارجية في فلسطين
بقلم:جمال الكندي
ما أشبه اليوم بالبارحة، المشهد يتكرر والمعاناه نفسها لا تتغير، لان العدو واحد، فعقليته الصهيونية الإجرامية مغروسة في وجدانه لا يجملها ويبدلها النفاق الدولي المساند له، فإجرامه لا تقدر أي دولة التعتيم عليه أو تجميل صورته غير من تعهد بهذا المسخ الصهيوني بتربيته منذ الصغر إلى يومنا هذا وهي أمريكا، وحدها من تكفلت بذلك ومعها بعض أعوانها من الشرق والغرب.
يوم النكبة بتاريخ 15 مايو 1948 هو يوم أسود في تاريخ القضية الفلسطينية، في هذا اليوم تم تهجير أكثر من 700 الف فلسطيني من ديارهم بيد العصابات الصهيونية ، حيث تم طرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم وخسروا كلمة أسمها الوطن، من أجل إقامة أرض تم اغتصابها منهم ليسكن فيها اليهود لتقام عليها دولتهم المزعومة، التي احتلوها قسراً وهجروا أهلها على مسمع ومرأى من العالم في ذلك الوقت.
يوم النكبة يتصادف هذا العام مع محاولة الصهاينة تكرار ما حدث سابقاً في الحي المقدسي “حي الشيخ جراح” ، وهو مخطط قديم يراد منه فصل هذا الحي الذي يقع في القدس الشرقية وتهجير أهله منه لإسكان قطعان المستوطنين اليهود، فموقع الحي مهم جغرافيا، فهو يربط بين القدس الشرقية بالغربية، وإسرائيل تريد بذلك التضيق أكثر على المقدسيين وهي بداية مخطط لتهويد كامل القدس وتنفيذ صفقة القرن المشؤومة.
الصهاينة ومن معهم لم يدركوا بأن الزمن قد تغير، وما حصل من تهجير إبان النكبة لن يحصل اليوم طالما هنالك سلاح اسمه سلاح المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها الإسلامية والقومية .
رد المقاومة الفلسطينية أربك المشهد العالمي وغير المعادلات العسكرية والشعبية والدولية، وخلق خلخلة في البيئة الإسرائيلية وأوجد توازن رعب شكلته صواريخ المقاومة الفلسطينية ، وفرض تساؤلات محيرة وجهت للقادة السياسيين والعسكرين في إسرائيل، وهو إذا كان فصيل واحد من جبهة المقاومة في غزة، وفي جغرافيا ضيقة فرض عليها حصار خانق منذ أكثر من 15 سنة وفعلت صواريخها ما فعلته في فلسطين المحتلة من رعب وخيبات أمل من قبة يقال انها حديدية لم تستطع حماية الإسرائيليين، وحسب الخبراء فإن فعاليتها كانت أقل من المطلوب منها بكثير، ولتبرير خيبة الأمل قالوا أصابها “خلل فني” فما بالك إذا الجبهات الأخرى دخلت الحرب ضد إسرائيل؟؟.
إن قوة الردع الفلسطينية كسرت هيبة إسرائيل في الداخل والخارج، وغيرت المعادلات العسكرية وسوف تفرض وضع جديد في المنطقة مجبرة إسرائيل على قبوله لسبب بسيط، أنها لا تقدر أن تتحمل تبعات هذه الصواريخ في الداخل الإسرائيلي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً .
المعادلة التي غيرتها صواريخ المقاومة الفلسطينية هي في قدرتها التدميرية وفي مداها، ومفاجئة صاروخ عياش القسامي الذي مداه 250 كم كان أولها ومازال في جعبة المقاومة الكثير. كذلك في قدرة ومهارة مشغلي هذه الصواريخ بخداع القبة الحديدية، فصاروخ قيمته لا تتجاوز 300 دولار لا يقدر صاروخ قيمته 50 الف دولار أو أكثر، ومنظومة متكاملة يقال أنها فخر الصناعة الإسرائيلية عن حماية إسرائيل، وقد ذكر المحلل الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي “جدعون ليفي” أن القبة الحديدية ليست الحل فالكل يعلم أن دقتها من 20% إلى 30 % وليس كما يدعي نتينياهو.
. هذا الأمر له أبعاد سياسية وعسكرية في أي تفاوض مستقبلي مع العدو الإسرائيلي لأنه يعلم أن هنالك قوة معينة تجبره على التفاوض والذي يسمى سياسياً “التفاوض بسبب القوة العسكرية”، والقوة هي السلاح الصاروخي الذي تملكه قوى المقاومة الفلسطينية وأثبت جدارته باعتراف العدو، وكما هو معروف مدخلات الميدان مخرجات السياسة.
ما حدث في حي الشيخ جراح غير المعادلة الداخلية كذلك ، ونحن نقصد هنا عرب 48 ، الذين لم يتوقع المحتل أن ينتفضوا نصرة للقدس و لحي الشيخ جراح ، وأعتقد الإسرائيلي انهم قد ذابوا في المجتمع الصهيوني ونسوا قضيتهم ، ولكن ما حدث ويحدث في مدينة “اللد” من مواجهات مع الشرطة واليهود وفي مناطق غيرها ما هو إلا دليل على بقاء الذاكرة الفلسطينية تجاه القدس ثابتة لا تغيرها السنوات.
وما كانت تغذيه وتدعمه الصهيونية في خلق اضطرابات في بعض البلدان العربية ها هي اليوم تذوقه في مناطق عرب 48 ،هذا الأمر يزيد من صعوبة الوضع في إسرائيل فعندها جبهة داخلية خطيرة تتأزم، ويشار اليها من قبل المحللين اليهود أنفسهم بأنها بدية حرب أهلية، وبهذا تتوحد كامل فلسطين التاريخية في وجه العدو الصهيوني، وهي قيمة مضافة لاي انتفاضة فلسطينية قادمة ستغير من المشهد السياسي الفلسطيني القادم.
ما حدث في حي الشيخ جراح غير من المعادلات الخارجية كذلك، فمنظر التهجير القسري لا يقبله المجتمع الدولي ، والمجتمع الدولي ليس كالسابق تتحكم فيه الولايات المتحدة وحدها، وان كانت تحاول وتضغط بسبب وجودها بين الخمسة الكبار في مجلس الأمن الذين لهم حق النقد، ولكن هنالك مسالك سياسية أخرى تعجز أمريكا الدفاع عن إسرائيل فيها بسبب عدم وجود هذه الميزة، وهنالك مؤشرات في الداخل الأمريكي بين سياسيها وإعلامها تظهر بأنهم ضاقوا ذرعاً من التصرفات الإسرائيلية ، فما كان بالأمس في عام 48 مباحاً ولا يوجد عليه رقيب، اليوم أصبح من الممنوعات وما يحصل من مظاهرات في أمريكا وأوروبا وهما الكيانان الداعمان للسياسة الإسرائيلية دليلا على فشلها في اقناع العالم بوجهة نظرها وترديدها مع بعض الشواذ الذين يؤيدونها بأن المقاومة الفلسطينية إرهاب هو فشل ذريع على الأرض، فما تقوم به هذه المقاومة الشريفة هو حق مشروع في الدفاع عن أرضها المغتصبة، وهو رد عدوان يراد منه إعادة صورة النكبة التي جاءت اليوم لتوحد الفلسطينيين تحت راية المقاومة.
ما حدث في القدس وحي الشيخ جراح هي بداية انتفاضة ثالثة تختلف عن سابقاتها بسبب المعادلات التي تغيرت في الداخل الفلسطيني من لحمة وطنية شملت عرب 48 ، وهذا ما لم يحدث سابقاً مع وجود قوة عسكرية سوف تفرض قواعد اشتباك جديدة في فلسطين بفضل صواريخها، ومعادلة خارجية تغيرت فهي تراقب تجاوزات المحتل الإسرائيلي ولا تقبل تكرار نكبة 48 ، مع العامل المهم وهو التعاطف مع الشعب الفلسطيني شعبياً وسياسياً، وضعف موقف أمريكا تجاه إسرائيل التي سحبت 120 من عناصرها الفنية، وكأنها تقول لإسرائيل تدبري أمرك، وهذا ما قاله المحلل الإسرائيلي “جدعون ليفي” أمريكا لن تنفعنا ورؤساء العرب لن يساعدونا، وقال ايضا “النهاية قريبة جداً لنا خصوصاً أن شعوب المنطقة بدأت تفيق من سباتها ، الجحيم من فوق رؤوسنا ونحن في الملاجئ ” هذه الكلمات هي واقع إسرائيل اليوم وهذا ما يميز هذه الانتفاضة الشعبية غن غيرها ، نحن نعلم أن الثمن الذي تدفعه فلسطين غالي، ولكن هم يعلمون قبلنا ويعلمونا أن وراءه العزة والكرمة وتحرير الأرض .