بين سطور وصف بايدن لبوتن بأنه قاتل ؟!
بقلم:جمال الكندي
مقابلة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الأخيرة في احدى وسائل الإعلام الأمريكية وتفجيره قنبله من العيار الثقيل ضد روسيا الإتحادية، بنعت رئيسها “بوتن” بالقاتل كانت مفاجئة، وقصف مباشر بدون تورية ضد أعلى هرم سياسي في الدولة الروسية، وسوف تظهر تبعاتها السياسية والدبلوماسية في ساحات الصراع بين أمريكا وروسيا، وقد ظهرت أولى هذه البوادر بإستدعاء روسيا سفيرها في أمريكا للتشاور ، وتعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ ستينيات القرن الماضي.
ما وراء خبر وصف الرئيس “بوتن” بالقاتل هو تصحيح خط سير قاطرة العلاقات الروسية الأمريكية -إن صح التعبير- فخلال فترة رئاسة “ترامب” كانت العلاقة تسودها نوع من الحاجة الأمريكية لروسيا لحل ملفات المنطقة واتهمت روسيا بأنها سعت بطريقة معينة في فوز الرئيس الأمريكي السابق برئاسته الأولى للبيت الأبيض، ومازالت أمريكا تتهم روسيا بأنها حاولت أن تؤثر على الناخب الأمريكي في الإنتخابات الثانية التي فاز بها الرئيس “بايدن” .
هذا المسار الذي يريد أن يصححه الرئيس الأمريكي هو جوهر العقيدة السياسية في العقل السياسي الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفياتي السابق التي ورثته روسيا بوتن منذ ما يقارب العقدين .
إن نعت بوتن بالقاتل يختزل كمية الصراع السياسي والعسكري بين البلدين، فإدارة “بايدن” تختلف وتتباين عن إدارة “ترامب” في التعاطي مع روسيا فالاخيرة كانت توصف بانها مهادنة قليلاً، وتتقبل بالحلول المشتركة في قضايا ملفات المنطقة.
نحن نقرأ بين سطور وصف “بوتن ” بالقاتل تأزم في العلاقات بين البلدين الكبيرين، والتي حسب المعطيات لن تصل إلى الإشتباك المسلح في الجبهات المفتوحة التي يتواجد فيها الروسي والأمريكي، ولكن سيتبعها التراشقات السياسية والإعلامية بينهما. أول هذه الترشقات بدأت بتصريح وزير الخارجية الأمريكي” أنتوني بلينكن” بخطورة خط أنابيب الغاز الروسي في أوروبا، وهو ما تختلف فيه ألمانيا مع أمريكا ويكشف عن التباين الأمريكي مع الحليف الأوروبي بخصوص توريد الغاز الروسي إلى أوروبا، وهذا الأمر يعتبر من صلب الإقتصاد الروسي ، فروسيا تصدر ما يقارب %40 من غازها إلى السوق الأوروبية، وألمانيا تتصدره ما يقارب %20 من هذا الغاز.
هذا التراشق الإعلامي والدبلوماسي بين روسيا وأمريكا ستظهر نتائجه على الأرض في الملفات المفتوحة بين الروسي والأمريكي، خاصةً في سوريا ما لم يحل الخلاف ويتم التفاهم بينهما.
ما وراء كواليس هذه الكلمة التي قالها الرئيس “بايدن” يعلمها الرئيسان جيداً،والأمريكي يريد من الروسي التفاهم معه في ملفات معينة، وبعدها سوف ترجع العلاقات بينهما على أساس المصالح المشتركة، فالتصعيد في ملفات المنطقة لا يفيد البلدين والتأزم بينهما سوف يؤثر على دول أخرى، وأمريكا تريد أن تتفرغ للمارد الصيني، والخبراء الاستراتجيين الأمريكان ينبهون بأن الصراع الحقيقي مع الصين، كونه صراع ذو بعد اقتصادي، والسياسة يسيرها الاقتصاد.
أما الخلاف الأمريكي الروسي فهو منذ عقود مبني على الخلاف السياسي العسكري الأيدلوجي خاصةً في أوروبا، فأمريكا تحاول تطويق روسيا بإدخال دول الجوار الروسي إلى منظومة “حلف النيتو” ونصب صواريخ دفاعية في هذه البلدان، وهذا الأمر تعتبره روسيا خط أحمر لا تسمح به، ويتعامل معه عسكرياً. سوف تبقى علاقة روسيا وأمريكا علاقة الند بالند وبين مد وجز وملاِذ الدول التي تخالف هذا وذاك، وهذه كانت في صالح الدول التي تحاربها أمريكا لانها بكل بساطة لا تتناغم مع سياستها، فمن صالح الشعوب وجود دول مثل روسيا والصين وغيرها والتي بقوتها السياسية والعسكرية والإقتصادية تخلق عالم متعدد الأقطاب يقوم على التشابك لا الاشتباك وهذا ما يريده العالم، وليس عالم من قطب واحد كل الدول تدور في فلكه.