بين سطور التوافق الليبي
وهج الخليج-جمال الكندي
تلقى الشارع العربي قبل فترة وجيزة خبر بداية نهاية أزمة سياسية عسكرية في قط عربي شقيق تقاذفته نيران الصرعات الداخلية بعد ما يسمى الربيع العربي ، فحولته إلى دولة فاشلة جديدة تنضم إلى ركاب دول المليشيات داخل الدولة.
إنها ليبيا “عمر المختار” التي كانت عنوان النضال ضد المستعمر الغربي. فقد نالت قبل أيام حكومة “عبد الحميد دبيبة” ثقة البرلمان الليبي في قيادة البلد إلى مرحلة انتقالية جديدة تنهي صراع الأقطاب السياسية والعسكرية فيها،وصولاً إلى انتخابات عامة في شهر ديسمبر المقبل تتشكل من خلالها حكومة منتخبة من الشعب الليبي، وهذه المرحلة جزء مما إنبثق منه ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة.
هذه الحكومة سوف تؤسس في حال نجاحها لمرحلة جديدة من تاريخ ليبيا، بعد صراع “الأخوة الأعداء” الذين كانوا يقاتلون حكومة الرئيس السابق “معمر القذافي” وكانت وراءهم دول عربية وإقليمية ودولية، تشاركت رغم اختلافاتها السياسية في الإطاحة بالحكومة الليبية السابقة، فالهدف الأساسي وراء إجتماع هذه الدول تحقق، وشاهدنا مأساة مقتل حاكم عربي كان يمثل نموذج لحرية القرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد، وربما يتفق معي البعض ويختلف الآخر، ولكن الحقيقة الأكيدة أن ليبيا ما بعد القذافي ليست هي ليبيا اليوم، فالمعارك التي لم تقف بين فريقين متخاصمين سياسياً وعسكرياً في هذا البلد، وتدميره بذرائع واهية بمساعدة دول وقفت مع هذا الطرف وذاك، دليل على عدم الإستقرار في ليبيا بعد سنوات من زوال النظام الليبي السابق.
هذا الإتفاق تم بعد أن يأست الدول التي كانت تغذي صراع ليبيا ما بعد “القذافي” في تمكنها من السيطرة الكاملة على البلد، وتحقيق نصر عسكري حاسم يغير من المشهد السياسي والعسكري في ليبيا، فكانت مدينة سرت الاستراتيجية هي عنوان الهدنة والتفاوض السياسي، وأدرك الشارع الليبي أن هذا القتال بين قادة الغرب الليبي والشرق هو فقط يعزز من نفوذ الدول الداعمة لهذين الفصيلين السياسيين في غرب وشرق ليبيا.
الإتفاق هو أكبر أنواع التحدي في حالة صموده ووصوله إلى مرحلته الأخيرة في اشراك كل الليبيين في العملية الإنتخابية ، وتشكيل حكومة ليبية مستقلة ذات أجندة وطنية خالصة، لا تتبع لأحد، وهذا هو أكبر تحدى سيواجه الحكومة الليبية الجديدة، مع قدرتها في احتواء جميع من يرفعون السلاح في ليبيا تحت دائرة وطنية واحدة عقيدتها القتالية هي الدفاع عن ليبيا الوطن فقط .
السؤال المطروح هنا بعد اتفاق البرلمان الليبي على شخصية رئيس الوزراء الجديد، الذي من أهم مهامه الترتيب لإنتخابات جديدة في ليبيا، يشارك فيها جميع اللبيين ما هو مصير الاتفاقيات الموقعة بين حكومة “السراج ” في شرق ليبيا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟؟، حيث يذكر بعض الخبراء بأنها باطلة وغير ملزمة للدولة الليبية الجديدة، فهل سيقبل الرئيس التركي بأي حكومة ليبية قادمة ترفض هذا الإتفاق، وتخرج الأتراك من ليبيا عسكرياً واقتصادياً ؟!.
هي فعلاً أكبر تحديات الحكومة الجديدة، فهنالك دولة تتصارع اليوم في ليبيا كانت سبباً رئيساً في طوي صفحة حكومة الرئيس الراحل “معمر القذافي” والذي مهما اتفقنا معه، أو كنا مخالفين لبعض سياساته الداخلية والخارجية نتفق جميعا بأن ليبيا في حكم “القذافي” كانت ذات سيادة مستقلة ، وقرارها السياسي والإقتصادي نابع من مصلحتها الوطنية، وربما هذا ما كان يغضب الغرب أن سياسة ليبيا الخارجية ونظرتها الاقتصادية لم تتناغم مع الرؤية الغربية، وتم استغلال موجة الربيع العربي ودمرت ليبيا تحت مسمى حقوق الانسان، وأصبحت حكومتها الجديدة حكومة موز تتدخل في شؤونها الدول من أجل مكاسبها السياسية و الاقتصادية مع غياب المصلحة الليبية.
الحكومة الجديدة إذا استطاعت أن تلبي آمال اللبيين في التحرر الوطني بكافة أشكاله، وتبني دولة ذات لون ليبي خالص، لا توجد في لوحته أي تدخل لأيادي تريد العبث في الشأن الليبي لمصالحها الخاصة. بذلك فقط يتحقق ما يرجوه الشارع الليبي، وهو أكبر تحدى لهذه الحكومة فهل سنشهد ولادة حكومة ليبية صاحبة قرار وطني خالص لا تتأثر بالمؤثرات الخارجية التي دمرت هذا البلد ؟؟ نرجوا ذلك ونعلم بأنه صعب، ولكن ليس بالمستحيل.