تداول الأيام بين الناس
التاريخ أيها القوم الكرام فيه من العِبَرِ والتجارب والقصص منذ أوجد الله هذا الكون وسكانه من العدم، التي يتعلم منها العقلاء وأهل الحل والعقد في حماية دينهم ومجتمعاتهم وحضارتهم، ويتجاهلها الرويبضة!!؟ الذي لا يتعدى بصره وبصيرته جيبه وبطنه!! ، لا يستشعر همَّ الوطن ولا الأخطار التي تُحيط به حتى ينفرط العقد بما حوى.
أين الأمم التي نحتت بيوتها في الجبال و الصخور الصماء!؟ أين الأمم التي استعمرتِ العالم شرقه وغربه وكانت لا تغيب عنها الشمس!؟ ، أين القادة الذين بلغت بهم نشوة السلطة إلى أن يقولوا ” أنا ربكم الأعلى” ؟
أين نمرود وعادٌ ومن ملك الأرض وولى وعزل
أين الدول الغنية ذات الثروات الواسعة ؟ كيف كانوا وكيف هم اليوم؟. أيام سلطة وقرار ومسرة!! وأيام عُسرٍ وفقرٍ ومرضٍ وخوفٍ وتشردٍ وعراء!! وأيام غنى فاحش ونصر وفخر وفساد وبدع وزيغ!! .
قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾
هذا قبل…
اما بعد…
الأيام يداولها الله بين الناس، كفاراً كانوا أم مسلمين، ليعلم الله الصادق من الكاذب، المطيع من العاصي، الثابت على دين الله من المتحور، مهما كانت الظروف.
كل شيء يتغيرُ إلا سنة الله في خلقه لا تتغير ولا تتحول أبدا. فالقانون الأبدي: من ينصر الله ينصره.
قال تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِۦ ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ﴾
اليوم أيها الكرام يعيش بلدٌ ما في فقر وحرب وأمراض، كان بالأمس القريب قوياً غنياً، يُعطي ويُصدر فكراً ومالاً ومعيشةً للدول القريبة منه، التي أصبحت اليوم ثرية وقوية عليه. فهل من معتبر؟!
في مكان ما في هذا البلد، مدرسة قرٱن بلا سقف ولا كهرباء ولا مرافق أخرى!، فقط سور “حوش” يتعلم فيها أبناء الفقراء والمساكين القرٱن حفظاً وتجويداً، تطوعن لذلك بنات الحي، ومنهن بأجر لا يتعدى ٧ قروش. ودروس ومحاضرات في الفقه والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجلسات صلح ذات البين، يقوم بها إمام مسجد الحي، الذي يعمل صياداً، وذلك مصدر دخلهِ الوحيد.
وفي نفس الحي، أسرٌ كبيرة تعيش في غرفة واحدة!!، وأسرٌ لا تجد قوت يومها ولا تستطيع بناء مسكن يَقيهم الحر والبرد!!، وكبارُ سنٍ ومرضى بدون أيةِ عناية طبية!!؟ وشبابٌ لم يتمكنوا من الزواج وظروف أصعب وأصعب، وذلك لضيق ذات اليد بسبب الصراع على السلطة الفانية.
أيها الكرام والله وبالله وتالله أن هذا المجتمع الذي يصبر على هذه الأوضاع ويشكر الله ويتقربُ إليه بتعليم ابناءهم كتاب الله وسنةَ نبيه، ويحتكمون إلى المصلحين، لسوف ينصره الله ويثبت أقدامه، وسيكون له شأن وأي شأن، بعون من الله وكرمه، عاجلاً أم ٱجلاً…فالأيام دول.
في بعض الدول التي أصبحت اليوم أقوى وأغنى من ذلك البلد، تمنع أو تتساهل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحلقات القرٱن والوعظ، وفي المقابل تسمحُ بفتح مراكز وصالات الألعاب والسينما على مدار الساعة. يتنافسون على بناء المجمعات التجارية والعقارية.
وهم يتقلبون في نعم الله الواسعة ليلا و نهارا.
اعتبر جمعٌ من علماء الإسلام أن ” الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فلا يُنهى عن منكر إلا ويُؤمر بمعروف يغني عنه، كما يؤمر بعبادة الله ويُنهى عن عبادة ما سواه*”.
بل قيل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الدنيا كلها لأن المقصد من هذه العبادة، هو الدعوة إلى الأخلاق والفضيلة والأمن والأمان وطيب العيش والسلم الاجتماعي وطاعة ولي الأمر في العسر واليسر…
جيلٌ يتعلم القرٱن والسنة منذ الصغر، ينشأ على الأخلاق النبيلة والعقيدة الإسلامية السمحة، وجيل حُرم من ذلك وفتحت له صالات الألعاب والسينما والملعب، على ماذا سينشأ؟!!
إلى ماذا يحتكمون غدا، إلى كتاب الله وسنة نبيه أم إلى الألعاب والأفلام والثقافة الدخيلة؟.
الجواب :
قال العلامة السعدي رحمه الله “… هكذا سنة الله في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر..”.
قال تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾
اللهم انك تعلم ولا نعلم وتقدر ولا نقدر بيدك الأمر كله احفظ بلادنا وسلطاننا وجيلنا من أهل الزيغ والإفساد والبدع الذين لا يأمرون بمعروف و لاينهون عن منكر.
(ابوخالد)