سأصير بانيان
بقلم:عائشة السيفية
نشرت عائشة السيفي مقالاً في مدونتها ونقلت “وهج الخليج” مقالها كتالي:
(إنّهم لنْ يسمَحُوا لنا بالدخُول لسوقِهم فالسُوق لشركَاتهم المحليّة والوطنيّة) ، هكذا قَالَ لي التاجر العُماني من أصول بانيَانيّة وهو يوصّف لي السُوق الخليجيّ.
(كلّ ما يقال عن وحدَة الخَليج هو تسويق إعلامي لا أكثَر لكنْ في “البزنس” كلهم يدعمون شركاتهم وقطاعهم المحليّ. إنني أفضلُ العَمل في أمريكا وأوروبا على الخليج.
لقد صَرفنا أربعين ألف ريال على إعداد مناقصة في الدَولة “ق”.. إنهم يقولون أنتم العمانيون رَائعون.. نحبكم كثيراً، لكنهم لن يمنحُوننا مناقصَة بريال واحد. المناقصة ستذهب إلى شركاتهم المحليّة أو إلى شركَة عَالميّة وكيلُها من مواطنيهم.
القائمون على مشاريع الدَولة (ك) طلبُوا مني لأتناقص اعتمَاد مواد مصَنعي من مختبر محليّ والمختبرات المحليّة لا تملكها إلا الشركَات المحليّة المنافِسة لموَادي، طبعاً لن أفعلها.. إنها طريقة غير مباشرة لأمسكَ الباب واطلع!
الدَولة (س) هي الأخرى سوقها كبير وقد حاولنا مراراً الدخول فيها ولكن كلّ شيء يذهب لتجارهم المحليين.
“ولكنْ كيف يفضلون الشركات المحليّة عبر بنود المناقصة؟” سألتهُ، (لا يحتاجون لتفصيلِ بنود المناقصة، في النهاية هم حكومات وتلك مشاريعهم، من يحاسبهم!
في المُقابل ففي عُمان نفتَح لهم السُوق وتُسنَد المناقصات للشركَات الخليجيّة. المشرُوع الوطني الفُلاني في عُمان الذي تجاوز المليار بُنيَ باسمنَت (إ) والمشرُوع الفُلانيّ بحديد (س) والمصفَاة (د) بكَابلات (م). الحُكومة تريدُ التعمين منا ولكنها تمنح المناقصات للمنافسين الخليجيين. يلاحقوننا بقراراتهم وفي المقابل لا يمنحوننا الأفضليّة والمميّزات.)
لعلكم تقدمون عروضاً غالية؟ ألا تقُوم المؤسسات القائمة على هذه المشاريع بالتفاوض معكم لتقدموا عروضاً منافسة للشركات الخليجيّة؟
(لا، نحنُ نسمع بإسنادها فقط، فعمليَة التناقص شفافة كما تقولُ تلكَ الشركات وهذهِ ليست المشكلة، المشكلة أننا لا نُعامَلُ بالمثل في الدول الخليجيّة الأخرى).
سألهُ أحد الحاضرين: (لماذا لم تستعِن بالسفارات العُمانية، ربما حينَ تتحدث الحكومات للحكومَات فبالإمكان إعطاؤكم أفضلية!).. ارتسَمتْ على وجههِ نظرة متهكمة مجيباً وهو ينظر إلى كوبِ قهوتهِ: (لا نحتاجُ إلى حكومات وأسوَاق لا ترحب بنا ولا توجَد فيها منافسَة عادِلة، سنجدُ لنا دائماً موطئ قدمٍ في الأسواق التي توفرُ لنا فرصاً عادلة، أمريكا وأوروبا، والهند طبعاً!)
كانتْ إجَابتهُ “بانيَانيّة” بامتيَاز!
عندمَا سمعتُها تذكرتُ حديثاً تبادلته قبل فترة معَ رائدة أعمَال تحدّثَتْ بحرقة عن سيَاسات التعمين المضرّة لبيئة الأعمَال في عُمان..وذكرَت البانيان في سيَاق حديثِها عن القدرَة على التأقلم في أصعبِ الظرُوف، وإيجاد الفُرصة حيثمَا كانت.
(عمّنُوا وظائف سائقي المركبات التجارية للمواد الغذائيّة، ومنحُونا 6 أشهُر لتطبيق القرار، لا أعرف ما هو النفع الاستراتيجيّ من تعمين هذه الوظيفة للعُمانيّ والذي سيضاعف على أصحاب شركات المواد الغذائية نفقَات نقل وتوزيع الأغذية وأجُور السَائقين. الدرّاجة الناريّة التي ينقلُ فيها الآسيوي طلبات المطاعم هذه أيضاً مركبة تجارية، يقضي السائق الآسيوي وقتَه في الطرقات في أوقات مختلفة ويؤدي بدل المهمّة مهمتين: سائق وعتّال لتفريغ وحمل البضائع في نفس الوقت، الآن يريدُون إحلالها بالعُماني الذي يملك أسرة وساعات عمل محددة ولن يقود دراجة لتوصيل الطلبات! ليست وظيفة سائق الأغذية من تمّ تعمينها بل وظائف دُنيا، كنَّا ندّخر من تدني أجُور الآسيويين فيها بتوفير وظائف أخرى أفضل جَودة للعمانيين، هذه القرارات ستؤدي إلى خروج مزيدٍ من الشركات من السُوق بسبب تبعَاتها المالية عليهم)
سألتُها: ولكنْ لماذا لم تحتجِي لوزارة العمل وغرفَة التجارة وتوضحي تأثير ذلك على شركاتكم!
فردّت قائلةً: ‘لا لا.. ما يخصني!’ لنْ أضيّع وقتي، دعهم يصدرون ما يشَاؤونَ من قرارات! لقد بلغتُ مرحلةَ الصَمت وقررتُ أكُون “بانيَان”
سألتُها ما الذي تعنينهُ؟، فقالت: البانيان لديهم مناعة عاليَة في التأقلم مع أصعب الظروف، إنهم لا يحتجون ويعمَلون بصمت ويجهزون أنفسهم للأسوأ دائما مما يجعلهم قادرين على النجاة والسباحة مع التيار وتحويل الصعوبات إلى فرص.. دعهم يصدرون ما يشاؤون من قرارات، سنتحَايل على الظُروف ونستعدُ للأسوَأ، ستخرجُ الشركَات الأضعف التي لن يكون في وسعها البقاء بعد هذه القرارات، أما أنا فسأكون مستعدة لأرى الشركات تخرج من السوق ، فالبقاء في النهَاية للأقوى.
تذكرتُ حديثَ رائدة الأعمال التي بدا توصيفها مطابقاً لإجابة التاجر البانيَاني الذي بررَ صمتهُ بعدم إضاعة وقتهِ بملاحقة الحكومات، وإنما البحث عن موطئ قدمٍ في مكان أكثر أماناً على تجارتهِ وبدا لي ذلك توصيفاً عن قدرتهم على التأقلم والنجاة، والبحث الدَائم عن نوافذ رزق أخرَى كلما أغلقت الحيَاة أبوَابها عليهم، بصَمت تامٍ.
بينَ حديثِهما، بدَت لي القوَاسم المشتركة! كم يبدُو مناخ الأعمَال قاسياً في هذه البِلاد وكمْ يبدُو واقع ازدهار سوق الوظائف متصلاً بواقع تسهيل سوق الأعمال على التاجر المحليّ، فكيفَ نريدُ خلقَ الوظائف ونحنُ نغلقها على صاحب الأعمال من جانبٍ ولا نفرجها لهُ في آخر، ونضربُ بالعصَا ولا نمنحُ التاجرَ الجزرة، ونوَاصل الضربَ إلى مرحلة يصلُ فيها إحباط التاجر والمستثمر إلى الصّمت والاستعدَاد المستمرّ للأسوَأ ويصلُ بهِ اليَأس إلى الحد الذي لا يسعى فيهِ إلى توجيهِ صناع القرارِ الرسميين إلى مثالبِ قراراتهم بل ينشغلُ بمنطق ” خليهُم يغيبُوا” بنجاةِ سفينتهِ أمام الواقع الصّعب والقادم الأصعَب وحينمَا يتسعُ الصّمت من جهة والصَمم الحكومي من جهةٍ أخرى يحدثُ الانفصَال الحقيقيّ بينَ صندوق يمكثُ داخلهُ صانع القرار الذي يتخذ القرارات دون إشراك حقيقيّ للمجتمعِ التجاري حول تأثير القراراتِ على سوق الأعمَال وربحيّة الشركات وبينَ التاجر “البانيان” الذي لا يحتج وإنما يهيئ نفسهُ للأسوأ ، فإما يتحَايل على ظروفهِ أو يرحلُ بصمتٍ في النهايَة من بلد يضيّقُ عليه التجارة ويحملُ شركتهُ إلى أرضٍ أخرى خصبة وآمنة تحتضِنُ رزقهُ وتؤمنُ تجارَتهُ بمنطِق يومْ سلمتْ ناقتِي، ما عليّ من رفَاقتي.