اجتياح المعرفة
بقلم:يوسف البادي
عالمٌ يجتاحه إحساس ما، إحساس الرغبة في المعرفة، معرفة الوجود والتكوين، فضاءنا الشاسع وكوكبنا كتلك الأسئلة التي طرحناها في الخامسة عشر من عمرنا فيما مضى، وأنا أتسأل الآن من ذا الذي سيجيب عن أسئلة الحاضر من هم في ذلك العمر، لا ولا للإحساس الطويل هنا، كورونا علّمنا السرعة، سرعة المتواكب السريع كما كنا نتخاطب فيما بيننا بالتوازي مع التقنية والتكنولوجيا، والتوالي فيما بعد، وفيمن يأتي من تطور للمراحل، ولكن هذه المرة الحالة هي حالة كورونا (كوفيد 19)، المرحلة هي مرحلة التوقف عن كل الأدوات التي كنا نعرفها، المرحلة التي أصابت عالمنا بالدهشة هي نفسه الشعور بالتساؤلات الخاصة بعمر الخامسة عشر من أعمارنا، ومع الدهشة أتت معها الأمور الغامضة وتأتي معها أمور غامضة متتالية، أليس كما نقول بأن الأحداث تتوالى وتتعاقب لا بالتدرج، بل وتأتي بالتزاحم المكتظ، كورونا الذي غيم عالمنا بالاجتياح الحقيقي الملموس لا الإحساس الطويل. كورونا ليست ركعة ركعناها سهواً، وكورونا ليست سجدة ساجدها سهواً، كان كورونا غيمة سريعة، هذه المرة الغموض يأتي بالتوالي لا بالتوازي، اضطررنا للعمل على كل الاتجاهات في البوصلة صاحبة السهم الواحد والاتجاه الواحد، الالتقاء الواحد، اضطررنا للجوء إلى بيتونا هو الملجأ الوحيد وهو الملاذ من العالم المفتوح. عالمنا صنعناه سريعاً بمكنونة منازلنا الصغيرة الكبيرة، صغيرة كانت في الماضي القريب، ماضي الأمس، كبيرة هي أصبحت في ليلة وضحاها، كبيرة بإحساسنا الهائل بحجم التراكم الخارجي المزدحم، لتصبح بيوتنا محاجرنا كبيرة في آناء الوقت، لنصبح من أصحاب القلوب ذو الومضة الوضاحة، إنارتُها شمعٌ يستوعب أفراد العائلة الكبير والصغير، أصبح المرض يتضارب في كل الاتجاهات، كالذرة من حولها تحوم الإلكترونيات بمعدلها المتساوية مع البروتينات. أما فالآن صرنا على ما صاروا عليه من الدهشة، عمر الدهشة من الخامسة عشر من العمر، يصابوا أحدنا بالمرض كي يعرف قيمة الحياة، متعتها وجودتها وخلوها من التائهات العائدات من الأمراض، ولأن هذه المرة أتى المرض على الجميع وتعاظم كورونا بدهشتنا جميعاً وإصابتنا جميعاً، وعرفنا جميعاً معاني الحياة، فلا محالة لا نحتاج أن نتلقى لأية رسائل غامضة، بل وإنما الرسائل الواضحة اتسعت شمسها لنا ووضوحها شروقاً وغروباً.