72 عاما للنكبة الفلسطينية
بقلم:إبراهيم عطا
في قرية لوبيا الصغيرة والقريبة من مدينة طبريا الشهيرة ببحيرتها والتي تقع شمال فلسطين كان اهلي يعيشون بامان وسلام، وكانت حياتهم بسيطة كباقي القرى الفلسطينية، حيث كان شغلها الشاغل فلاحة الأرض وجني المحاصيل من قمح وتين وزيتون، بالإضافة إلى تربية المواشي والنحل…كانت اراضي لوبية خصبة وتشتهر بجودة قمحها وزيتونها، وكانت بيوتها مبنية من الحجر والطين وابوابها خشبية…كانت حياة ناسها بسيطة ورتيبة بكل ما فيها من شقاء وعناء ممزوجين بقليل من الفرح بالمناسبات العائلية مثل عرس أحد شبانها او ختان ولد من اولادها، او حل مشكلة بين عائلتين اختلفتا على حدود بينها او لدخول الدواب الى زرع احدها…
نعم، كانت حياة لوبيا هادئة بالرغم من بعض المواجهات والاشتباكات التي كانت تقع مع قوات الانتداب البريطاني، الى ان جاءت مجموعة من الاغراب واقامت مستعمرة على مقربة من القرية وصارت تهاجمها وتعتدي على ابنائها وممتلكاتهم لدب الخوف و الذعر فيهم، تمهيدا لترحيلهم عن بيوتهم واحتلال اراضيهم والاستيلاء على ممتلكاتهم…
اخذ شباب القرية يستعدون للدفاع عن ارضهم، وقد عرفوا أن عصابات اليهود المدججة بالسلاح والعتاد تقوم بنقل الجنود والتعزيزات لمهاجمة مدينة طبريا و القرى المجاورة لها، وعرفوا ان عرباتهم تمر من طريق طبريا الناصرة المحاذي لقرية لوبيا..
وفي يوم 27 مارس 1948 قام رجال القرية بجمع ما كان لديهم من اسلحة لقطع طريق الامداد للصهاينة، وانتقلوا الى طريق طبريا العام، وهناك اعدوا لهم كمينا محصنا بالدشم الترابية والحجارة، واختباوا خلفه بانتظار عربات العدو المحملة بالجنود والسلاح…وعندما اقتربت الشاحنات أطلقت المجموعة النار عليها بكثافة، ودار اشتباك مطول سقط فيه العديد منهم بين قتيل وجريح، بينا أصيب بعض شباب لوبيا بجروح، وكان بينهم جدي ابراهيم المنصور الذي سرعان ما فارق الحياة بسبب اصابته الخطيرة…
ولم يتأخر اليهود بالرد فقاموا بقصف لوبيا بالمدفعية ثم هاجموها بقوات منظمة ومدججة بالاسلحة الثقيلة ودمروا بعض بيوتها وقتلوا العديد من سكانها، بينما سقط العشرات من افراد القوة اليهودية التي عادت ادراجها مهزومة الى مستعمرة سجرة القريبة….
واستمر الحال لفترة طويلة بين هجوم وهجوم مضاد الى ان سقطت طبريا بايدي الصهاينة واشتد القصف على لوبيا فلجات العائلات للاختباء في المدرسة القديمة و في الديوان الذي كان يستخدم كضيافة وجلسة لشيوخ القرية وكبارها لحل مشاكلها، بينما لجأت عائلات أخرى الى المغارة الكبيرة القريبة من حقل الصبار … وقد صارت الانباء تتوالى عن سقوط المناطق بايدي العصابات اليهودية وعندما عرف اهل القرية بسقوط مدينة الناصرة التي كانت تقدم لهم الدعم والمساندة، طلبوا المساعدة من فرق الانقاذ العربية الذين اقاموا لهم مقرا بين مستعمرة سجرة وسهل طرعان، غير أنهم رفضوا الاستجابة لندائهم…
بدأ الناس يتناقلون اخبار المجازر والفظاعات التي ارتكبتها العصابات اليهودية في القرى التي سيطرت عليها،…مما ادى الى الهلع و الرعب بين الناس، خاصة بين الاطفال والنساء اللاتي سمعن ان افراد العصابات الصهيونية يغتصبون الفتيات قبل قتلهن، فصارت الامهات ترجو وتتوسل الرجال كي يرحلوا عن القرية حفاظا على شرف بناتهن..وعندما سمعوا ناطور القرية ينادي اهلها ان يقوموا باخراج النساء والأطفال لان اليهود يستعدون لاقتحامها، قاموا بجمع ما امكن من اغراض ومؤن وانطلقوا سيرا على الاقدام الى قرى الشمال التي حددوها لهم، ومن هناك واصلوا السير حتى دخلوا الاراضي اللبنانية، وتحت اشجار التين في الاحراش القريبة من مدينة بنت جبيل افترشوا الأرض وهم في حالة ارهاق وهلع، الى ان قدم اعضاء من الصليب الاحمر واعطوهم الخيام وبعض الطعام، على آمل أن تهدأ الامور ويعودوا الى بيوتهم في فلسطين…واليوم بعد 72 عاما ما زالت المفاتيح مع الأبناء والاحفاد تنتظر يوم العودة المنشود الى الديار في لوبيا والشجرة وطرعان ومئات القرى الفلسطينية التي كانت تعيش بهدوء وسلام قبل مجيء العصابات الصهيونية الى فلسطين…وجمعة طيبة لكل الاحبة.