من أجل عُمان
بقلم: الدكتور سالم الشكيلي
أعلم عِلم اليقين أنّ هذا المقال سيثير حفيظة أولئك المسؤولين ممن يشير إليهم هذا المقال ويغمز فيهم ويلمز ، وهو غمزٌ محمود إن جاز التعبير ، وربما تصل هذه الحفيظة أن تجعل الدخان ينفث من أذانهم ، ويكاد الشرر يخرج من عيونهم سخطًا وغضبًا مني ، وهذه طبيعة بعض هؤلاء البشر الذين جعلوا لأنفسهم سياجًا حرمًا يُمنع الاقتراب منه ، وقد سوّغوا لأنفسهم وضع هذا السياج لنافذيتهم ، والتي أوهَموا أنفسهم والناسَ عليها ، تراهم يرعُدون ويزمجرون كلما اقترب أي أحد من حوطة سياجهم ، وليس أمامهم إلّا أن تعلو لديهم صيحات التخوين للآخرين ، وكأنّ الوطنية إنّما منبعها هم ، وهم وحدهم المنظّرون والمؤطرون لها ، مع علمهم بإخلاص وولاء المقصود لوطنه ، ومع كل هذا فإنني وبموضوعية متناهية وشفافية صادقة ، دون مقاصد أو مآرب شخصية ، أطرح إحدى القضايا الهامة التي تمسّ الوطن والمواطن ، ألا وهي قضية السيارات الحكومية ، أطرحها من جديد للأسباب الآتية : –
السبب الأول : – من باب الحرص على عمان ووحدتها واستقرارها خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الخانقة التي بدأت تزداد مع الانخفاض الشديد المفاجئ لأسعار النفط العالمية نتيجة إغراق السوق بالخام من بعض الدول المصدرة ، حتى وصل سعر البرميل إلى إثنين وثلاثين دولاراً للبرميل ، ما يعني ببساطة خسارة نصف السعر ، وهذا سيلقي بظلال معتمة وضغوط كبيرة جداً على الموازنة العامة للدولة.
السبب الثاني : – هو الخطاب أو البيان السلطاني السامي الذي تفضّل به مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ، وقد تضمن توجيهاً واضحاً وصريحًا للمسؤولين والجهات الحكومية ، بالعمل على ترشيد الإنفاق وإيجاد وفرة مالية من بعض بنود الموازنة ، وأوامره مطاعة واجبة التنفيذ من جميع الأشخاص والجهات ، بل وعلى الجميع أن يطرح مبادرات وأفكار جديدة ، تجمع بين الترشيد في الإنفاق ، وعدم الإضرار المُخِلّ بالخطط والأولويات لكل وحدة حكومية ، وهناك بالتأكيد طرق وبدائل ، ينبغي إفساح المجال للعقول الشابة ذات المبادرات والوثبات الحميدة التي تنفع مع الوضع .
السبب الثالث :- ضرورة تحمّل جميع المواطنين لأثار الأزمة الإقتصادية ، وكبار المسؤولين يجب أن يكونوا في مقدمة الرّكب ، وبإسهام سخيّ ، نظراً لقدرتهم المالية من جانب ، وضرورة أن يكونوا القدوة المثلى من جانب آخر ، وعليهم أن ينزلوا ولو درجة واحدة من السلم من باب العدالة الاجتماعية ، التي هي إحدى دعائم الوحدة الوطنية بالتأكيد ، وأن يبادروا إلى ذلك من ذوات أنفسهم .
تشكّل السيارات الحكومية ضغطاً على موازنة الدولة من حيث قيمة الشراء ، وقيمة الإستهلاك اليومي ، وقيمة الصيانة وقطع الغيار والإصلاح ، وبطبيعة الحال فإنّ الحاجة للسيارات الحكومية في الجانب الخدماتي اللوجستي تبقى ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها ، لكنّ الحديث هنا عن السيارات المستخدمة من كبار المسؤولين في الدولة ، والتي يجب إعادة النظر بشأنها ، فهي بلا شك تُمثّل رقماً لايُستهان به ، يُمكن توجيهه في مصارف إنفاق أخرى ، يساعد بدون نقاش في الأزمة المالية .
وإذا كانت مناصب أصحاب المعالي الوزراء ، وبحكم وظائفهم تتطلب منحهم سيارات حكومية ، فالأمر جد مختلف بالنسبة لباقي المسؤولين سواءً وكلاء الوزارات والأمناء العامين والمستشارين والمحافظين والقضاة والولاة ومدراء العموم ، وغيرهم ممن يُمنحون سيارات حكومية ، فلو تصوّرنا بحسبة بسيطة أنّ عددها الف سيارة – هذا في اعتقادي عدد متواضع – ومتوسط الاستهلاك اليومي للوقود للسيارة الواحدة عشرة ريالات عمانية ، فإنّ الاستهلاك اليومي للوقود عشرة الأف ريال عماني وفي الشهر ثلاثمائة ألف ريال عماني ، وفي السنة ثلاثة ملايين وستمائة ألف ريال عماني ، ناهيك عن الصيانة والإصلاحات وخاصة أنها سيارات ذات رفاهية عالية ، ولا يخفى على أحد أنّ استخدام بعض المسؤولين لسيارات حكومية ، يترافق في الوقت نفسه أنه يتسلّلم فيه بدل النقل الشهري أي أنه يجمع بين الحسنيين ، بل أن البعض يؤجّر سياراته الخاصة ، وهو بذلك يحرم مواطنًا محتاجًا من تأجير سيارته .
وكما هو معلوم للكافة ، فإنّ منح السيارات الحكومية لكبار المسؤولين ليس للوجاهة الشخصية ، بل من أجل إعانة المسؤول على تأدية عمله ، أما فئتها فتكون بحسب الوظيفة الشاغل لها ، ولكن مما يؤسف له حقاً أنها أصبحت لدى البعض ، وسيلة للتباهي والتفاخر ، وفقاً لأحجامها وفئاتها ، ونوع وحجم اللوحة المعدنية التي تحملها ، وربما وضع شروطًا خاصة للسيارة التي سوف تقتنيها له الدولة !!!.
غاية القول ، هذا كله لا يهم وليس من باب الحسد لهم فهم بلا شك موظفون لديهم مسؤوليات يستحقون الكثير ، لكنّ الذي يهم الآن ، أننا اليوم في وضع اقتصادي صعب يجب أن يتحمل الجميع آثاره دون استثناء ، بما فيهم كبار المسؤولين الذين تنعّموا بهذه السيارات الفارهة عندما كانت الظروف في حال حسن ، ومن هذا المنطلق يمكن تطبيق أحد المقترحين التاليين :-
* المقترح الأول : – سحب ميزة السيارات الحكومية من جميع كبار المسؤولين – باستثناء الوزراء بحيث لا تزيد عن سيارة واحدة – وأن يتمّ صرف بدل النقل ، حالهم كحال غيرهم من الموظفين ، وبإمكانهم شراء السيارات التي تناسبهم وهم بالقطع أكثر ملاءمة وقدرة مالية من غيرهم ، ويمكن تمييزهم بلوحة معدنية صغيرة على غرار لوحات أعضاء مجلس عمان ، على الرغم من أنّ قدر الإنسان وقيمته لا يقاس بحجم ونوع السيارة التي يركبها وإنما بقدر عطائه لوطنه ومجتمعه ، وبحسن خُلُقه وتواضعه بين الناس .
* المقترح الثاني :- إذا تعذر تطبيق المقترح الأول، يكون هذا الخيار لا مفر من تطبيقه ويتمثل في تخفيض فئات أو نوعية السيارات بنسبة 50% من قيمة الشراء بمعنى الذي يمنح سيارة قيمتها أربعين ألف ريال عماني في الوقت الحاضر ، يمنح سيارة قيمتها عشرون ألف ريال عماني ، كما يجب تحديد سقف معين للاستهلاك الشهري من الوقود ، فإن تجاوزه فيكون على حسابه الخاص .
ربما يكون المقترح الثاني أنسب لكبار المسؤولين ، فإن أرادوا سيارات فارهة فما عليهم إلا اختيار المقترح الأول ، فكلٌّ حسب إمكانياته وقدراته المالية ، وأجزم بأنّ ما جاء في هذا المقال سيؤخذ بعين الرضا والاقتناع ، وأنّ الدوافع من ورائه هي المصلحة العامة للوطن الذي يجب إبداء التنازلات من أجله ، خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية الاقتصادية الخانقة ، فإن لم نتعاون ونتكاتف الأن فمتى سيكون التكاتف والتعاون ؟!،
ومن هنا ألتمس من جلالة السلطان المعظم حفظه الله وأبقاه ، إصدار أوامره السامية الكريمة بدراسة الفكرة إن رأى جلالته وجهاً لذلك .
والله من وراء القصد ، وهو خير الشاهدين .