قمة بوتين أردوغان والواقع الميداني الجديد
بقلم:جمال الكندي
قمة موسكو بين بوتين وأردوغان جاءت على خلفية التصعيد الميداني الكبير في ريفي حلب وإدلب بين الجيش السوري وحلفائه وبين الجماعات المسلحة بكافة فصائلها وأذرعها في الشمال السوري مع الداعم التركي ، هذا التصعيد رسم خارطة عسكرية جديدة بعد أن كانت ثابتة على مدار ثمان سنوات بسيطرة الجيش السوري على طريق دمشق حلب M5 بالكامل وجزء كبير من طريق حلب اللاذقية M4 ، ويعني سيطرة الجيش السوري على عشرات البلدات والتلال والمواقع ذات البعد الاستراتيجي مثل مدينة معرة النعمان وسراقب .
هذا التطور الميداني أجبر تركيا على التدخل المباشر لإرجاع الأمور كما كانت قبل بدء الجيش السوري عملياته العسكرية عبر عملية سماها ” درع الربيع العربي” ولكن نتائجه قلبت الأوضاع الداخلية في تركيا، وأوجدت نقطة خلاف بين تركيا والاتحاد الأوروبي بسبب تهديد “أردوغان” باستعمال ورقة اللاجئين السوريين وتصويبهم نحو الداخل الأوروبي عبر بوابة اليونان.
مخرجات قمة موسكو ثبتت ما حققه الجيش السوري وحلفاؤه من إنجازات عسكرية في تحرير أكثر من 2000كم من جغرافية ريف حلب وإدلب ولم ترضخ لما قاله أردوغان بإلزام الجيش السوري على الرجوع من كل المواقع التي سيطر عليها في حملته الأخيرة التي كانت شرطه لوقف حملته العسكرية، فجاءت بنود قمة موسكو لتحاكي ما حققه الجيش السوري مع مراعة حفظ ماء وجه “أردوغان” .
بنود قمة موسكو نصت على وقف إطلاق النار ، وإنشاء ممر آمن على بعد 6 كم شمال طريق حلب الأذقيتة M4 ، وتسيير دوريات روسية تركية مشتركة على طول طريق M4 ، ويعني إبعاد المسلحين عن هذا الطريق، هنا سيكون “أردوغان” في امتحان صعب قد رسب فيه سابقاً وهو في إخلاء طريقي M5 وM4 من المسلحين، وفي الامتحان الجديد مطلوب منه إبعاد المسلحين عن طريق M4 فالطريق الآخر جاءت قمة موسكو لتثبت سيطرة الجيش السوري عليه فلم يذكر أصلا، فهو في حوزة رجال الجيش العربي السوري، وتهديدات أردوغان في إبعاد الجيش عنه تبخرت في اجتماع موسكو ولم يذكر .
قمة موسكو كانت لتثبيت اتفاقية “سوتشي ” وتثبيت ما حققه الجيش السوري من معطى ميداني نتج عنه سيطرته كاملة على طريق M5 وتأمين مدينة حلب بالكامل من قذائف المسلحين، والاتفاق كان لنزع فتيل التصعيد العسكري بين الجيش السوري والتركي بعد دخول الأخير في المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش السوري وحلفائه، ويعني ذلك ضمناً الدخول في مواجهة عسكرية مع الروسي وهذا ما لا تريده تركيا ولا روسيا.
حضر أردوغان القمة محملاً بخذلان من حلفائه الأمريكان والناتو وبضغوط داخلية، وخسارة ميدانية بعد تحرير الجيش السوري لطريق دمشق – حلب ومحاصرته للنقاط التركية في الداخل السوري، ومحاصرة لهذه النقاط يعني شل فاعليتها تجاه أي عدوان ينطلق منها بالتنسيق مع المسلحين.
رفض أمريكا تزويد تركيا بالدفاعات الجوية (صواريخ باتريوت) كان بسبب صفقة شراء تركيا أس 400 من روسيا وأمريكا تعتبر ذلك خرقاً كبيراً من قبل دولة عضو في الناتو للتفاهمات العسكرية لهذا الحلف الموجه بالأصل ضد روسيا، وترجمة هذا الغضب رفض تزويد أمريكا تركيا لهذه الصواريخ. أما الأزمة الداخلية فكانت في صورة عراك نواب من الحزب الشعب الجمهوري مع نواب من حزب العدالة والتنمية، وهذا ينم عن عمق الخلافات السياسية بين الحزبين بخصوص إرسال “أردوغان” جنوداً أتراكاً للحرب في الساحة السورية ووصولهم قتلى إلى ديارهم وهم بالمئات حسب تقارير صحفية تركية محايدة ، والسؤال الذي يطرح في الشارع التركي لماذا يموت جنودنا خارج تركيا؟ ومن أجل جماعات مسلحة مصنفة إرهابية في قوائم الأمم المتحدة؟!
هذه الأوراق كانت ضاغطة على “أردوغان” وأجبرته على تثبيت المعطى الميداني الجديد.
بالمقابل كانت أوراق الحكومة السورية قوية ومن أهمها الإنجاز الميداني الجديد الذي ثبت بالقوة العسكرية وخاصة تحرير مدينة سراقب الاستراتيجية التي استرجعها المسلحون وفي غضون أيام قليلة عادت إلى الدولة السورية بعملية عسكرية دقيقة شاركت فيها قوات النخبة من حزب الله والرواية نأخذها من موقع أمني إسرائيلي يروي كيفية استعادة سراقب التي غيرت مجرى الأمر رأساً على عقب وأدت إلى التنازلات الإردوغانية مع بوتين في قمة موسكو، حيث يذكر موقع “نتسيف .نت” الإسرائيلي الذي تربطه صلات وثيقة بالجهات الاستخباراتية في تل أبيب: إن الجهات الأمنية والعسكرية تدرس بقلق المعركة التي خاضها حزب الله في مدينة سراقب في ريف إدلب قبل يومين، مشددا على أنها “المرة الأولى التي يشن فيها حزب الله حملة عسكرية واسعة النطاق نسبياً في الليل”.
وقال الموقع الإسرائيلي: إن “قوات الجيش السوري تمكنت من السيطرة على بلدة سراقب الاستراتيجية صباح الإثنين بمساعدة مقاتلين من الميليشيات الإيرانية وبدعم جوي روسي بعد خوضها معارك عنيفة في الشوارع مع الفصائل السورية الموالية لتركيا، وإن الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائلية تدرس بقلق المعركة التي خاضها حزب الله في سراقب وتراقب قدرات الدفاع الجوية السورية.
وأشاد الموقع بـ”البراعة” التي أبداها مقاتلو حزب الله في القتال قائلا: إنه على الرغم من أن تلك المعارك تعد “إنجازا عسكريا” للجيش السوري بعد أن حقق انتصارا على الطائرات بدون طيار التي نشرتها تركيا بشكل مكثف، فإن إسرائيل يجب أن تولي اهتمامًا كبيرا بذلك بسبب تأثيرات تلك المعارك المباشرة على تل أبيب أيضًا، وأضاف الموقع: “بعد مرور عدة ساعات، ومع انبثاق الفجر، وفي الوقت الذي كانت تعزيزات الجيش السوري والتعزيزات الإيرانية تتدفق نحو خطوط القتال، فهمت القوّات المعارضة التابعة لتركيا أن الوضع بات لا يحتمل، وبدأت بالانسحاب سريعاً إلى خارج المدينة، ومكّنت الجيش السوري من استعادة السيطرة عليها بالكامل، هذه إذن رواية إسرائيلية لما حدث في سراقب وأرى أنا الكيان الصهيوني معني جيداً بقدرات الجيش السوري وحلفائه، فهو ينقل الحقيقة لتحليلها ووضع الخطط لمجابهتها في أي صدام عسكري مستقبلا مع سوريا وحلفائها في المنطقة.
قمة موسكو هو انتصار جديد للجيش السوري وحلفائه وما بعد إدلب البوصلة متوجهة إلى شرق الفرات والمجابهة القادمة ستكون بين أمريكا ومن تبقى معها من قوات “قصد” لذلك يدرك الأمريكي أن المواجهة قادمة ويريدها سياسياً، فمنظر توابيت قتلى الجنود الأتراك لا يريدها لجنوده الأمريكان، والروسي جاهز لإنزال الأمريكي من الشجرة السورية بسلام إذا أراد لجنوده أن يرجعوا إلى أمريكا بالطول وليس بالعرض.