ثقافتنا في عصر العولمة
بقلم:جوخة الشماخي
لكل زمان سماته ومكوناته، ومن البديهي أن تصبح توجهات المرء مسايرة لخصوصية العصر الذي يعيش فيه، لأن الإنسان ابن بيئته وزمانه، فإن عزل نفسه سيصعب عليه التعايش والتكيّف مع الحياة والبشر، وما ثقافة المرء سوى بقدر ما يستقيه من معارف وعلوم وأخبار عصره، والتي بها تتشكّل شخصيته وتنضج، وكلما أضاف إليها زاد معرفة وخبرة. لقد تنوّعت مشارب الثقافة في عصرنا وتجددت، وإن لم نستقِ منها فإننا سنظل كالمياه الراكدة، التي طال عليها الأمد، فعشعشت عليها الطحالب.
ونحن نعيش تحديات القرن الحادي والعشرين، فإننا بحاجة إلى أن نمتلك ثقافة تساعدنا على فهم معطياته واستيعابها والتفاعل معها، إن أهم ما يميز هذا القرن هي ” العولمة ” بكل ما تحمله من أهداف إيجابية وسلبية، والتي أفرزها التطور التكنولوجي، والثورة المعلوماتية والرأسمالية، ووسائل التواصل المختلفة.
العولمة بمفهومها المثالي تهدف إلى خلق عالم واحد تسوده المحبة والإخاء واقتسام وسائل الرزق والمعيشة، والتعاضد في مقاومة الأخطار التي تهدد البشرية، من جوع وفقر ومرض وجهل وكوارث طبيعية، وغيرها، لكنّ الواقع ليس جميعه برّاقا ومطمئنا ، إذ إن الهدف الرئيس للعولمة هو هدف اقتصادي في المقام الأول، حيث تسعى القوى العالمية الكبرى إلى استغلال الدول النامية والشعوب الفقيرة، من خلال السيطرة على مقوماتها الاقتصادية وخيراتها الطبيعية، ثم تعود وتسوّقها لها بأسعار مرتفعة جدا، وتمادى أمر العولمة فلم يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل شمل جوانب الإنسانية كافة، فأصبحت لدينا عولمة سياسية وفكرية وثقافية، ومكمن التخوّف هو الهوية الثقافية، فحين نتكلم عن الثقافة نحن نتكلم عن الهوية بكل صورها ومكوناتها ومستوياتها، هنا يصبح أمرا لازما أن نخلق ثقافة جديدة لنا ولأبنائنا، لكي نكون قادرين على مسايرة هذا العصر ؛ وحتى لا نقع فيما يُسمى بـ ” أزمة الهوية ” وهي إحدى المشكلات التي بدأت تظهر في ظل التسارع التكنولوجي والانفتاح العالمي، ويُقصد بها حالة من الاضطراب والحيرة والتشتت التي تُصيب الإنسان، خاصة فئة المراهقين، الذين يعانون من عدم معرفتهم لذواتهم، وماذا يحتاجون في حاضرهم، وماذا يريدون في مستقبلهم، وما الأشياء التي يجب أن يؤمنوا بها ويتّبعوها، مما يؤدي بهم إلى الشعور بالضياع، فيبدأون البحث عن هويتهم الحقيقية، فإما أن يبحثوا عنها في إيديولوجية المجتمع الذي ينتمون إليه، أو ينجرّوا وراء الإيديولوجية المستحدثة، أو يظلوا تائهين ومتخبطين.
والسؤال المهم : ما هي سبل مواجهة العولمة ؟ نحن نحتاج إلى مواجهتها على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول، وأهم هذه السبل، تبصير أبنائنا بمفهوم العولمة، نعلمهم أن هناك ثوابت لا بد أن نتمسك بها، كالقيم والمبادئ والأخلاق، وأن نحافظ على هويتنا وعروبتنا وديننا، ولا نتنكّر لديننا وتاريخنا، وأن نكون حذرين عند استقبال أشكال الحداثة، لا نتقبّلها على علاتها دون إعمال فكرنا، ينبغي ألاّ نتهافت على استيراد كل ما تغرينا به دول الغرب، فقد يتعمدون أن يدسّوا لنا السّم في العسل.
أما على مستوى الدول فتبدأ المواجهة من التعليم، وذلك بإعادة صياغة المنظومة التعليمية بكافة مراحلها، بجعل أهداف التعليم تركّز على إكساب المتعلمين المهارات والقدرات التي يحتاجونها للحياة؛ حتى يتمكّنوا من النجاح في مجتمع رقمي سريع التطور، على الدول أيضا أن تعدّ مخرجاتها البشرية بحيث تكون منتجة، ليست دائما مستهلكة، وحين تضطر لاستيراد الماديات، ليس بالضرورة أن نستورد معها الاتجاهات الدخيلة، فبعضها قد يكون هدّاما بطريقة غير مباشرة.
جوخة بنت علي بن صالح الشمّاخية