بيان تأريخي لجلالة السلطان المعظم
بقلم: دكتور سالم الشكيلي
تسمّرت الوجوه أمام شاشات التلفاز في كل بيت عماني ، واشرأبّت الأعناق ، وتلهّفت القلوب ، لسماع البيان التاريخي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق آل سعيد حفظه الله ورعاه ، والذي أعلنت عنه وسائل الإعلام المختلفة ، فقد كان يوم الأحد الموافق ٢٣ من فبراير يوماً تأريخياً فعلاً ، فقد خاطبَ جلالته الشعب من القلب إلى القلب ، وأحسّ الشعب بتلك الروح الدافئة الدافقة ، تخرج بالنطق السامي ليلامس شغاف قلوب العمانيين المُحِبة له ، المفعمة بالولاء لجلالته ، فكانت فرحةً عمّت ، وأفئدة حوله التمّت ، فكانت كل كلمة بل وكل حرف فيه موجّه للداخل العماني ، كان يقرأ شعبه ، وكان إحساساً به ، ومدركاً لحاجاته وتطلعاته ، لما اتسم من رؤية واستراتيجية محددة المعالم ، تنتظرها المرحلة القادمة على المستويين قصير الأجل وطويل الأجل ، حتى أنه وبُعَيد انتهاء البيان التاريخي لجلالة السلطان المعظم ، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بتناقل مقتطفات من البيان ، وارتسمت على وجوه المواطنين صوراً من الغبطة ملونة بألوان مختلفة من الآمال والتطلعات والطموحات نحو مستقبل أفضل تطوراً وحلاً للعديد من المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية .
لقد كان الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ، بعد لحظات من اختياره سلطاناً للبلاد ، خطابَ نعيٍ لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه ، كما اشتمل على ملامح السياسة الخارجية التي تمثّل استمرارًا للسياسة العمانية الثابتة بثبوت أقدام العمانيين على الحقّ والحياد الإيجابي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير ، واحترام قواعد القانون الدولي العام المعترف بها دولياَ ، وعلى هذا فإنّ الخطاب الثاني يُمثّل في مبناه ومحتواه ومعناه بياناً تاريخياً للعرش السلطاني موجهاً للداخل العماني ، فهو وثيقة تاريخية يجب أن تسجل بماء الذهب ، ليُبنى عليها حقبة جديدة من تاريخ عمان الخالد الذي يتراكم عمقه الحضاري التليد ، رغم كيد الحاقدين وحسد الناقمين ، فالحضارات لا تقوم على تزوير التاريخ ولا على حفر الأطفال في الرمال المتراكمة من جراء العواصف الرملية، وإنما تقوم على صناعة الرجال وإسهاماتهم في الحياة السياسية والثقافية .
إنّ مضامين البيان التاريخي لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ، عميقة بعمق فكر ورؤى جلالته ، التي اكتسبها من خلفيّته العلميّة وخبراته العمليّة ومن المهام الخاصة التي كان يوكلها إليه المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، ورغم قصر المدة الزمنية لتولي جلالته مقاليد الحكم إلا أنه بات يدرك متى وكيف وأين يتحرك .
ومع حضور هيبة السلاطين أثناء إلقاء بيانه ، فقد زاد عليها عدة أمور ، الأولى العفويّة وعدم التكلّف ، والثانية نقاء السريرة ، والثالثة صدق المشاعر والعاطفة التي كانت تشّع من عينيه ، وتملأ قلبه ، يصدقها لسانه الزكي ، والرابعة الإيمان بالله عز وجل والثقة بالنفس بأنّ القادم أفضل والمستقبل سيكون أروع إن شاء الله .
وأشهد الله أنني استمعت إلى البيان عدة مرات ، ووقفت أمام كل عبارة من عباراته ، فاحترت في تسجيل المضامين والاستنتاجات لكثرتها وتزاحمها ، وفي نظرٍ متواضع وخاطف ، فالخطاب أو البيان يحمل في إحدى دلالاته عهداً أو عقداً متبادلاً بين الحاكم وشعبه ، فالحاكم هنا وللمرة الثانية يقطع عهداً منجزاً مع الله عندما يقول :- ” أبناء عمان الأوفياء ؛ إنّ الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله ، واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن ، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين، وإننا إذ نعاهد الله عزّ وجل على أن نكرّس حياتنا من أجل عمان وأبناء عمان، كي تستمر مسيرتها الظافرة ونهضتها المباركة، فإننا ندعوكم أن تعاهدوا الله على ذلك … ”
إنّ شعبكم الوفي أيها السلطان المعظم لَيرد عليكم بأحسن القول ، ويعاهد الله ويعاهد مقامكم السامي عهد المؤمنين الأخيار ، الذين لا يخلفون عهداً ولا وعداً ، معهدكم بهم ، بأنه خلف قيادتكم وزعامتكم الحكيمة ماضون ، ولن تجدوا منه إلا ما يرضي الله ويرضيكم ، وستكون عمان ومصالحها العليا هي المسعى والهدف الذي لن يحيد عنه ، وستكون همته عالية وعزائمه وقادة لن تغمض له عين ولن تتوقف له خطوة من أجل رفعة عمان وسؤددها ، كي تواصل رقيها وتطورها ، فعمان عشقنا الأبدي التي لا نرضى عنها بديلاً ، ولن نفرط فيها بكنوز الأرض ذهباً ، وإذا دعا الداعي فإنّ ارواحنا رخيصة مقابل حبة رمل من ترابها .
ومما يبعث على السرور ، ويثلج الصدور ، شمولية البيان التاريخي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ، إذ اشتمل كل الملفات التي تهم المواطن العماني ، مجيباً على كل التساؤلات ، ابتداءً من تطوير منظومة التعليم وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ، إلى تنويع مصادر الدخل ، وفتح آفاق الاستثمار ، واتباع نظام الحوكمة ، ومراجعة أداء وسياسات شركات القطاع العام ، وتمكين الكفاءات وشباب عمان ، وإشراك المرأة العمانية في التنمية ، كما أكد البيان على أنّ حقوق المواطنين وكرامتهم مصانة ، وحرية التعبير عن الرأي مكفولة للجميع.
وجاء في الخطاب أو البيان السلطاني رغبة جلالته أبقاه الله ، في الاستماع إلى آراء المواطنين فيما يتعلق بالشأن العام ، وستكون طروحاتهم وأفكارهم محل نظر القيادة من باب ” وشاورهم في الأمر ” إلى جانب إعلاء مبدأ سيادة القانون ، ومحاسبة المقصرين والمخالفين للقانون التي هي الأخرى ستخضع للمراجعة وفق احتياجات المرحلة .
وفي ختام هذا المقال لا أخفي سعادتي الشخصية ، إذ كان لي حوار قبل البيان السلطاني ببضعة أيام في منتدى الوصال ، حول رؤية المستقبل فلم يخرج جزءاً كبيراً من ذلك عما تفضّل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله .
دامت عمان حرة عزيزة أبيّة ، وعاش سلطانها المعظم ذخرًا وفخرًا ، ووفقه الله في قيادة هذا البلد إلى آفاق المجد ، وسدّد إلى تحقيق الخير خُطاه ، وعاش الشعب العماني الأبيّ ينعم بالأمن والأمان والرخاء والازدهار .