صفقة القرن وغياب الشريك الفلسطيني
بقلم:جمال الكندي
الصراع العربي الإسرائيلي خلال السبعين عام الماضية مر بمراحل تصعيدية مختلفة ، بداية بحرب الكر والفر وبعدها بالحرب التقليدية بين الجيوش حرب 48 و67 و 73 ، وظهور حرب الصواريخ فكانت جنوب لبنان وغزة هي العنوان، وخلال هذا الفترة من الحروب الثلاث الكبرى كانت وسائل الإعلام العربية في التعاطي مع الكيان الصهيوني واحدة لم تتغير والمسمى هو العدو الصهيوني ولا علاقات بين الدول العربية وبين هذا الكيان الغاصب ، فكانت البوصلة العربية في اتجاه واحد هو تحرير الأقصى والأراضي العربية المحتلة خاصة بعد حرب 67 ، فكان الكيان الصهيوني ومن يقف معه لا يجد الشريك العربي لحل القضية سياسياً؛ لذلك كان التصعيد السياسي والعسكري والأمني هو سيد الموقف.
هذا المسار التصعيدي مع الكيان الصهيوني تغير بعد اتفاقية ” كامب ديفيد ووادي عربة ” فأخرجت مصر والأردن من الصراع مع إسرائيل، ومن هنا بدأت قصة التطبيع مع إسرائيل عن طريق إقامة علاقات دبلوماسية عبر فتح سفارات بين إسرائيل وهذه الدول.
بعد هذا التاريخ بقي الصراع العربي الإسرائيلي مع سوريا وفلسطين والأخيرة دخلت متمثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية في عملية السلام والمعروفة باتفاقية “أسلو” التي تعد نقلة نوعية لإسرائيل في تحيد شريحة من الشعب الفلسطيني في هذا الصراع مع وجود تحفظ كبير لهذه الاتفاقية لدى الشارع العربي، وهذه الاتفاقية والتي قبلها كانت بإدارة غربية ونجحت سياسياً بسبب وجود الشريك العربي مع إسرائيل؛ لذلك كانت مقبولة ومرحباً بها لدى الراعي الدولي وخلقت بيئة معينة للتعايش مع أركان السلطة في مصر والأردن والسلطة الفلسطينية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
ما تسمى بصفقة القرن لا تحمل مقومات “كامب ديفيد، وأسلو ووادي عربه ” حيث ينقصها أهم عنصران لإتمام هذه الصفقة وهما: الشريك الفلسطيني وهو الأهم والمجتمع الدولي المتمثل بمجلس الأمن والاتحاد الأوربي ،فأمريكا ليست العالم، وقد ذكرت الخارجية الروسية “أن الولايات الأمريكية المتحدة ليس من يتخذ قرار التسوية في الشرق الأوسط” وهذا يعني أن القرار ليس بيدها وحدها وزمن التفرد باتخاذ القرار السياسي قد ولت أيامه ،وأمريكا تعلم ذلك .
الشريك الفلسطيني المتمثل في السلطة الفلسطينية في رام الله قال كلمته ومعه كافة الفصائل الفلسطينية القومية والإسلامية “لا لصفقة العار ” ورب ضارةً نافعة؛ فإعلان “ترامب ” عن بنود هذه الصفقة التي تلغي حق العودة وتسلب القدس من الوطن الفلسطيني وتأخذ نسبة كبيرة من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن وتجعل الباقي “كانتونات” أمنية بيد إسرائيل تتحكم فيها كيف تشاء ، وحدت الصف الفلسطيني بكافة فصائله التي في الضفة والتي في غزة ، وهذه كانت من حسنات هذه الصفقة.
إن غياب الشريك الفلسطيني سيجعل من صفقة القرن الصهيوأمريكية حبراً على ورق رخيص يريد سلب ما تبقى من الحق الفلسطيني، ولا تهمنا الدول العربية غير الفاعلة التي من تحت الطاولة هندست لهذه الصفقة، وتحاول تجميلها على حساب دماء الفلسطينيين لتصفية قضيتهم وقضية العرب الأولى لتوافق المزاج الأمريكي والصهيوني.
أما المجتمع الدولي فينطلق من الثوابت الفلسطينية وهي حل الدولتين والتفاوض على أساس دولة فلسطينية بحدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما تتبنه الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ورسيا والصين، فجاءت صفقة القرن لتسلب الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني الفلسطيني، فخلقت بذلك وحدة القرار الفلسطيني نادرة الحدوث في رفض هذه الصفقة بكل مكوناتها، وفتحت بذلك الخيارات الأخرى في الدفاع عن الحق الفلسطيني المشروع عن أرضه، وهذه الخيارات تعلمها إسرائيل وأمريكا جيداً وجربتها خلال قيادة الراحل ” ياسر عرفات ” والانتفاضة الأولى والثانية مازالت عالقة في أذهان الساسة والعسكريين الأمريكان والصهاينة .
“ترامب ونتنياهو” أرادا بالإعلان عن هذه الصفقة الاستثمار في الشأن الداخلي فكلاهما يعانيان من مشاكل سياسية داخلية، فأولهما تلاحقه قضية العزل والآخر يعاني من تشكيل حكومة توافقية، وهي لم تحصل منذ قيام هذا الكيان الغاصب، ومثل هذه الصفقة ولو كانت ناقصة الأركان سوف تساعد كليهما على تجاوز مشاكلهما الداخلية على حساب القضية الفلسطينية وثوابتها الوطنية، فهل ستنجح هذه الصفقة الترامبية؟؛ فالرجل تعامل معها بعقلية السمسار الذي يعرض المال ويتجاهل حق أصحاب الأرض.
طرح صفقة القرن في هذا التوقيت بالذات ناتج عن الأحداث العسكرية والأمنية في الدول العربية الكبرى، وغياب وحدة القرار السياسي فيها الناتج عن الأيادي التي عبثت في هذه الدول عسكرياً وأمنياً واقتصاديا فخلت الساحة العربية من الصوت القوي المعارض لتوجهات الصهيو أمريكية في المنطقة.
مع ذلك لا توجد الرؤية العربية الواضحة التي تتجرأ وتدعم هذه الصفقة، والاجتماع الطارئ لوزراء الجامعة العربية يوم السبت القادم الذي دعت إليه القيادة الفلسطينية سوف يضع النقاط على الحروف وسنعلم من هي الدول العربية التي تقف مع هذه الصفقة ومن ستقف مع الثوابت الوطنية الفلسطينية، والكل ينتظر موقف الجامعة العربية الذي سيقوي هذه الصفقة أو يبقيها حبراً على ورق.
صفقة القرن هي صفقة العار وهي محاولة إعطاء من لا يستحق ما لا يملك ؛فأصحاب الأرض أصبحوا هم الإرهابيين اليوم حسب توصيف “ترامب”؛ لأنهم يدافعون عن حقوقهم المشروعة في أرضهم المغتصبة التي اعترفت بها الأمم المتحدة بأنها حق فلسطيني وهي حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية و”ترامب ” ومن معه يريدون سلب هذا الحق من الفلسطينيين، فهل تمر هذه الصفقة؟ أما ستبقى بدون فعالية كغيرها من القرارات “الترامبية” السابقة في الشأن العربي.