استراتيجية عمان الخارجية سياسة ثابتة
بقلم:جمال الكندي
رسم الاستراتيجيات الداخلية والخارجية للبلدان هو ركيزة مهمة من ركائز دول المؤسسات، فالدول الناجحة هي تلك الدول التي تعمل وفق معطياتها الجغرافية والتاريخية والإيدلوجية، فترسم من خلالها سياستها مع الآخر ومكانها في الصراعات الإقليمية.
سلطنة عمان ليست بمعزل عن هذا المحيط المشتعل في المنطقة بين المحاور المتنازعة سياسياً وعسكرياً في دول المنطقة، لذلك فالاستراتيجية العمانية الخارجية تفردت عن باقي الدول ولم تدخل في أتون صراعات ما بعد الربيع العربي سواءٌ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فكانت على الحياد الإيجابي، والحياد الإيجابي يعرف لدى الساسة العمانيين بأنه محاولة لخلق توازن بين فرقاء الأزمات السياسية والعسكرية في دول المنطقة التي تشتعل فيها الحروب السياسية والعسكرية، والوقوف على خط متوازٍ بينهما، فكانت قبلة المتخاصمين ومن يقف وراءهم من قوى إقليمية ودولية .
محاولة شيطنة عمان في الآونة الأخيرة عبر اللعب بمشاعر العمانيين بالحديث عن رأس الهرم السياسي في البلد وحالته الصحية ورسم سيناريو لمن يخلفه ووضع احتمالات تغير سياسة عمان الخارجية وتخليها عن حيادها المعروف عنها الذي كما قلنا أنه مرسومٌ حسب المعطيات التاريخية والجغرافية والفكرية لسلطنة عمان، فهنالك سوء قراءة لتاريخ عمان السياسي من قبل من يدير الذباب الإلكتروني والجهل السياسي بدور عمان في المنطقة أصبح واضحاً عبر ما يطرح من قبلهم .
إن السياسة الخارجية لسلطنة عمان مرسومة من قبل السلطان قابوس منذ توليه الحكم عام 1970 م وهذه السياسة أصبحت النهج الذي ميزت عمان عن غيرها من دول المنطقة.
من هنا سوف نحاول التعريف بالأبعاد التاريخية والجغرافية والفكرية التي كانت هي المعطيات في رسم سياسة عمان الخارجية، فإذا نظرنا للبعد التاريخي لعمان فتتبادر إلى أذهاننا هذه الأسئلة: هل عمان دولة ناشئة وجدت من رحم دولة أخرى؟ أم هل هي دولة أوجدها الاستعمار الغربي لتكون أداة تخريبية في المنطقة؟ أم هي دولة ضاربة في عمق التاريخ لها تاريخها السياسي الذي ميزها عن باقي الدول؟ هنا يأتي دور القراءة التاريخية الصحيح لمن يريد أن يقيم تاريخ الدول ويعلم لماذا هي تنهج سياسة مختلفة في المنطقة؟ جواب هذه الأسئلة بات معروفاً فسلطنة عمان تقيم تحالفاتها وعلاقتها مع الدول وفق رؤيتها الوطنية ولا تقبل من أي دولة أن تملي عليها سياستها الخارجية ومحطات التاريخ العماني شاهدة على ذلك ، وهو دليل على المراحل المختلفة التي مرت بها عمان مع جيرانها في المنطقة، فكانت تعمل وفق مصالحها القومية فعلى سبيل المثال علاقتها مع إيران كانت تختلف خلال فترات التاريخ بين الحرب والسلم وعقد التحالفات ذات الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية، فسلطنة عمان نسجت خيوط علاقتها مع إيران مستعينة بتاريخها مع هذه الدولة، ولا ننسى أن بعض أراضي هذه الدولة كانت ضمن الدولة العمانية، وتاريخ مدينة بندر عباس ومينائها شاهد على ذلك.
هذا الجانب التاريخي كان حاضراً عند السلطان قابوس في التعامل مع إيران من أجل ذلك لعبت عمان دوراً بارزاً في تقريب وجهات النظر بين إيران والمجتمع الدولي ولم تكن ضمن جوقة دول معاداة إيران؛ لأنها تدرك البعد الجغرافي والتاريخي في العلاقات العمانية الإيرانية فرسمت سياستها مع إيران على هذا الأساس ومن يحاول أن يغير هذه السياسة فهو جاهل بمعطيات التاريخ والجغرافيا بين الدولتين؛ لأن هذه السياسة ثابتة ولا تتغير بتغير الشخوص السياسية وبفضلها ابتعدت سلطنة عمان عن الخوض في المهاترات السياسية والصراعات ذات التحالفات الإيديولوجية البارزة اليوم بين إيران وبعض دول المنطقة.
أما البعد الجغرافي فقد كان حاضراً كذلك في سياسة عمان الخارجية، فما تحقق في ظل حكم السلطان قابوس من اتفاقيات حدودية مع اليمن والسعودية والإمارات لهو دليل على النظرة العمانية الواعية لما تحمله الجغرافية الحدودية في العلاقات الخارجية من معنى، ففي ظل عدم الاتفاق بين الدول الحدودية تخلق بيئة التوتر فيما بينها، وهذ بدوره ينعكس سلباً على التعامل مع هذه الدول والشواهد كثيرة لمثل هذه النزعات.
الجانب الأيديولوجي كان حاضراً هو الآخر في رسم السياسة الخارجية العمانية، فعمان جارة لدولتين بينهم صراع فكري مذهبي يسير علاقاتهم الخارجية، لذلك وازنت سلطنة عمان بين علاقتها معهم ووقفت على الحياد الإيجابي بينهما في صراعتهم، وهذا يعود للمذهب الفقهي والسياسي المختلف الذي تفردت به سلطنة عمان عن باقي دول المنطقة، ومن يدرس التاريخ العماني من بداية الإمامة إلى دولة اليعاربة ودولة البوسعيد يدرك كيف كانت عمان تبني علاقاتها الخارجية من منطلق أنها دولة لها كيان أيديولوجي وسياسي مختلف ومستقل عن الدولة الأموية والعباسية ومن جاء بعدها، ومن هنا نعلم لماذا كانت وما زالت سياسة سلطنة عمان مختلفة بسبب هذا المعطى الفكري، فهي كانت إمبراطورية قبل وجود بعض الدول.
سلطنة عمان الخارجية ثابتة ومن يريد شيطنة عمان والتأثير على نهجها الخارجي فهو جاهل بهذا التاريخ الكبير لسلطنة عمان، ومن يعول على تغير ذلك نقول له: بينك وبينه خرط القتاد، فعمان في ظل السلطان ـ حفظه الله ـ هي عمان ما بعد السلطان، وحفظ الله شعب عمان الذي لم تؤثر فيه الشائعات فهو شعب يثق في قيادته الحكيمة وسياستها الخارجية التي أبعدت سلطنة عمان عن الخوض في حروب عبثية صنعتها المذهبية والطائفية والمصالح الآنية قصيرة النظر.