اهلا بكم في اسرائيل
بقلم: إبراهيم عطا
“اهلا بكم في اسرائيل”، لافتة مكتوبة باللغة الانكليزية تمكنت من قراءتها بعد ان سارت بنا الحافلات الاسرائيلية لمسافة ساعتين تقريبا منذ ان انطلقنا من “معمل الصفا” جنوب مدينة صيدا دون ان نعرف الى اين تتجه بنا، حيث وضعونا في الحافلات بعد نقلنا الى المعمل نفسه في شاحنات عسكرية، وبعد ان قاموا بتعصيب اعيننا بالقمصان التي كنا نرتديها وربطوا ايدينا بشريط بلاستيكي، ومن خلال اللافتة عرفنا اننا وصلنا الى الحدود مع فلسطين المحتلة…
– “الان لم يعد يهمني لو قتلوني لاني ساموت شهيدا على ارض فلسطين”، همست في اذن من كان بجانبي وعرفت فيما بعد ان اسمه امين وهو من سكان المخيم، واخبرني ان والده كان معنا في نفس الحافلة ولكن في الطرف الاخر من المقاعد الخلفية، فصرنا نسترق النظر عبر الشقوق الفاصلة بين الستائر ومن تحت عصبة اعيننا بعد ان قمنا بمساعدة بعضنا البعض بارخائها، بينما لم نتمكن من تخفيف الوثاق المشدود على معاصمنا والذي كان يتسبب لنا بالام شديدة، وقد تمكنت من مشاهدة بعض اماكن الاصطياف على ضفاف نهر محاط بالاشجار العالية، ورايت مجموعات من عائلات المستوطنون يلهون ويمرحون هناك، كما رايت بعض البيوت المدمرة في المستوطنات الإسرائيلية بفعل صواريخ المقاومة خلال الاجتياح…
كانوا يطلبون منا ان نبقي رؤوسنا منخفضة بين مقاعد الحافلة، وكنت احاول ان ارى اي شيء ولا اخفض راسي الا عند سماع صوت خطوات الجندي المرافق لنا عندما يقترب من مقاعدنا الخلفية..
– “يا شباب صرنا في عكا، صرنا في عكا يا شباب”، همس والد امين على مسامعنا، وشعرت عند سماع كلامه بقشعريرة تسري في جسدي وازداد خفقان قلبي، وتساءلت هل انا فعلا في مدينة عكا التاريخية، ولم استطع مقاومة رغبتي بالنظر فرفعت راسي دون تردد…واستطعت رؤية ساحة ليست بالكبيرة ومباني من الحجر القديم وفي وسط الساحة نافورة ماء وربما تمثالا ولكني لم استطع التمعن به حيث تلقيت ضربة على راسي من الجندي الذي صرخ بلغة عربية مكسرة “وطي راسك يا كلب”…غير اني لم اندم وتحملت الالم وكلام الجندي التحقيري وفرحت لرؤية عكا…
وبعد وقت قصير وصلنا الى منطقة شبه خالية من السيارات وكثيرة الاشجار والاسلاك الشائكة، وتقع عند.سفح جبل وهي اشبه بقاعدة عسكرية وفيها منطقة للرماية، وقد طلبوا منا نزع الاغطية عن اعيننا والهبوط من الحافلة الواحد تلو الاخر، ليستقبلنا عند البوابة الحديدية احد الجنود ومعه مقص كبير يقوم بقطع الوثاق البلاستيكي ثم يضربنا بمقصه على ايدينا، وبعدها يدفعنا الى الداخل ليتلقطنا جندي اخر فيقوم بدوره برفسنا باتجاه “الجورة”، وهناك يطلبون منا ان نجلس على الارض وان نضع ايدينا فوق رؤوسنا وان نخفضها الى الاسفل لنتفاجأ ان هذه المنطقة الترابية المليئة بالغبار مليئة ايضا بعبوات الرصاص الفارغ، فتاكدنا من انها منطقة رماية او ربما ساحة اعدام، مما جعل البعض يرتعش خوفا خاصة بعد سماع نباح الكلاب الشرسة و صرخات الوجع لرجال ينهارون امام وحشية الكلاب المدربة، بالاضافة الى اصوات ضرب عشوائي ونحيب وصراخ ياتيان من داخل احدى البراكيات القريبة من “الجورة” …عندها صرخ الرجل الذي كان يجلس بجانبي وانهار باكيا:
-” اه يا ابني يا محمد يا ليت لو اشتريت لك الدراجة التي طلبتها مني، كم مرة كنت اعدك بها كلما كنت توقظني من نومي، اه يا ابني ربما لن اراك ثانية لاشتري لك الدراجة..’
ولم استطع تحمل هذا الموقف الحزين فبكيت معه متاثرا بكلامه ولبكائه على ابنه محمد..
وزعوا علينا بطانية للنوم واعطونا قطعتين من الخبز وحبة طماطم لكل واحد، وقاموا بوضع دلوا او اكثر بين مئات المعتقلين لقضاء الحاجة، و كان علينا ان نرفع يدنا احيانا لوقت طويل حتى يأذنون لنا بالنهوض والذهاب الى “الحمام”…
حاولت ان انام ولكني وبرغم التعب الشديد لم استطع لان الجنود كانوا يحتفلون بمناسبة بما ويشربون الخمر ويضحكون، فيعمدون احيانا على القاء الحجارة علينا بشكل عشوائي وتعلو ضحكاتهم ، وربما غفوت لبرهة على وقع قهقهاتهم …وفي اليوم التالي عرفت من بعض المعتقلين الذين لم يتمكنوا من النوم ان الجنود السكارى قاموا برفع احدى المجندات الاسرائيليات فوق رؤوس المعتقلين النيام تحت بطانياتهم وتبولت فوقهم وهي تضحك باعلى صوتها مع بقية الجنود…
– انا كنت في “الجورة” ولا اعتقد انه بول المجندة انما كانوا يسكبون المشروبات الكحولية فوق رؤوسنا…قال علي مؤكدا…
نحن نعلم أن الأثر النفسي له تعويضات في الدول المتقدمة ياترى هل تكفي اموال الكيان الغاصب لتسوية الآثار النفسية التي تسببوها لناس عزل بلا سلاح لاذنب لهم سوى أنهم أصحاب الأرض
والله يا اخ عقيل ما في شي بالعالم يعوضاو يصحح الاثار النفسية