أزمة الناقلات النفطية بين التصعيد والحل السياسي
بقلم:جمال الكندي
أزمة الناقلات النفطية بين إيران وبريطانية تعيدنا لحقبة حرب الناقلات بين العراق وإيران بتفاصيلها العسكرية والاقتصادية ، وطبعاً كانت تلك الفترة لها معطياتها الخاصة، واليوم تغير الحال وأصبحت الجهة الأضعف في تلك الفترة أقوى، وأمريكا تدرك ذلك ولا تريد التصعيد لكي لا تخلق أزمة اقتصادية يختنق بها حلفائها في المنطقة.
زيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لسلطنة عمان “ابن علوي” جاءت من أجل تخفيف التوتر الحاصل بين إيران والغرب، وتحمل رسائل ومبادرات معينة لنزع فتيل أزمة الناقلات، مع أن الجانب العماني ينفي حمله أي رسائل من أي جهة كانت والإيرانيون ينفون كذلك تلقيهم أي رسالة من الجانب العماني، وتبقى هذه لعبة السياسة والأكيد أن سلطنة عمان معنية بحفظ الاستقرار والأمن في مضيق هرمز، لذلك لا نقول إن سلطنة عمان بريد يحمل رسائل، ولكن هي جهة فاعلة يهمها عدم توتر هذه البقعة المهمة في الخليج العربي، والمبادرات التي تحملها تصب في صالح الجميع.
هذه الأزمة خلقت معادلة جديدة عند الإيرانيين وهي “الفعل يقابل برد فعل مماثل” ونقصد هنا “احتجاز ناقلة يقابله احتجاز ناقلة” ، وما فعلته إيران في حجز ناقلة نفطية تحمل العلم البريطاني بسبب احتجاز ناقلتها النفطية في مضيق جبل طارق سابقة خطيرة في نظر الغرب، وقبل أن نصاب بالدهشة من هذا الفعل لابد لنا أن نقف على ثلاثة أشياء في هذه الأزمة وهي (المعطيات والأسباب والنتائج).
الغرب يقرأ الواقع السياسي والعسكري الإيراني قراءة واقعية، وبسبب هذه القراءة التي تفصل بين إيران بداية الثورة وإيران بعد أربعين سنة، فإيران خلال هذه الفترة امتلكت مقومات جعلتها قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي للمنطقة، وتحمل مفاتيح الحل في مناطق التوتر في سوريا، والعراق، واليمن، وحتى أفغانستان ، هذا الأمر أدركه الأمريكي جيداً وغاب عن حلفائه العرب بسبب عقد مذهبية تصر أن تجعل إيران في دائرة حصرتها معطيات القرن الماضي، واليوم إيران تقوم بعمل عسكري واقتصادي يصيب دولتين إحداهما كانت عظمى والأخرى هي الأقوى عسكرياً واقتصاديا في العالم، فما قامت به إيران لا يستهان به فقد أسقطت طائرة تجسس أمريكية، واحتجزت ناقلة نفط بريطانية، وهذان الفعلان لم تقم أمريكا ولا بريطانيا بالرد عليهما، بل سعت للتفاهم مع إيران سلمياً عبر الوسطاء فماذا يعني ذلك ؟
هو سؤال يطرح بقوة وجوابه يأتي لمن يقرأ الواقع السياسي والعسكري والتقني والعلمي الإيراني بتجرد وسوف يعلم لماذا هذا العداء الأمريكي الصهيوني لإيران ولماذا لا يأتي الرد.
حسب تقرير ” توموسن رويترز” ” إن إيران صعدت إلى المركز 17 عالمياً بإنتاج العلوم، وأنها أنفقت 6.3 مليار دولار في عام 2011 م في البحث العلمي ،وهي تحتل المرتبة 12 بإنتاج السيارات في العالم، والأولى في الشرق الأوسط ، وأطلقت قمرين صناعيين إلى الفضاء بتصنيع محلي، وأرسلت قرداً وأعادته حياً من الفضاء، وكانت إيران تستورد القمح من الدول النامية والآن حققت الاكتفاء، وكانت صادرات إيران تقل عن 5 مليارات دولار واليوم ترتفع إلى 60 مليار دولار، وذكر التقرير كذلك “إن مسؤولي جامعة ستانفورد العريقة فوجئوا عام 2003 م بأن أبرز طلاب فرع الهندسة الإلكترونية لنيل شهادة الدكتورة جاءوا من جامعة شريف للعلوم والتكنولوجيا الإيرانية.
لهذه الأسباب وغيرها التي توظف في خانة التفوق العسكري الإيراني في مجال الصواريخ أمريكا وإسرائيل تبني حسابات دقيقة في التعامل مع إيران، ولا نبالغ إن قلنا إنها تخشى إيران لما تحمله من قدرات ذكرها هذا التقرير ويقال: الأمه التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع وسلاحهاأغلبه من إنتاجها هي الأمة القوية.
نحن بذكرنا لهذه المنجزات لا نتغزل بالنظام الإيراني، بل إن هذه وقائع نشهدها اليوم في صلابة مواقفها مع الغرب، وهذه الصلابة مبنية على قاعدة بنتها إيران خلال أربعين سنة ماضية، وهي الأسباب التي تجعل أمريكا وإسرائيل تخشيان من إيران، وإلا فما الذي يمنع أمريكا وإسرائيل وبريطانيا من ضرب إيران عسكريا.
أنا أعلم أن هنالك عقولاً مازالت مريضة تتهم الأقلام التي تذكر الإنجازات الإيرانية بعد ثورتها وأن هواها فارسي وتتنكر للعروبة ، ونحن نرجو أن نرى دولا عربية أو إسلامية تحقق ما تحققه إيران، وهذه مشكلة من يعادي إيران أيدلوجياً، ولكن نحن هنا ننظر إلى إيران على أنها دولة تدافع عن حق الوجود الفلسطيني على أرضه التاريخية، وأنها تدعم حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وأن بوصلته القدس الشريف وهذا الآمر يشكل التأيد الأكبر لها في العالم الإسلامي، وهو ما يزيد عداء أمريكا وإسرائيل، ولكننا نختلف معها في بعض القضايا في كيفية تعاطيها لها، ونريد أن نتفق معها على قاعدة المصالح المشتركة، فهي جارةٌ لنا في المنطقة والأفضل أن نتشابك ولا نشتبك معها.
من وراء هذه المعطيات ندرك الأسباب ، أسباب تمهل أمريكا في ضرب إيران عسكرياً، فهي مدركة مدى تمكن هذا البلد من أدواته العسكرية الفاعلة التي غيرت المعادلة السياسة والعسكرية في المنطقة .
نتائج زيارة ابن علوي سوف تتضح معالمها في الأيام أو الأسابيع القادمة، وإذا حصلت انفراجة في أزمة الناقلات النفطية فسوف نرى اتفاقاً جديداً تدخل في إطاره أمريكا في مجموعة الخمس زائداً واحد، فلا أحد من الجانبين الإيراني والأمريكي يرغب في التصعيد، والرسائل المتبادلة أصبحت واضحةً للجميع، والتصعيد هنا سوف يخلق أزمة اقتصادية ستعاني منها الدول المنتجة والمستوردة للطاقة في المنطقة، وربما تكون من نتائج هذه الزيارة، زيارة وفد عسكري إمارتي رفيع المستوى من خفر السواحل الإماراتية يبشر ببوادر إيجابية لتخفيف التوتر، وتكون هذه من إيجابيات زيارة ابن علوي لإيران.
سلطنة عمان كانت ومازالت بسبب موقعها السياسي والجغرافي عاملاً مساعداً لطريق الرجعة في أي أزمة بين إيران والغرب ، وهذه بسبب توازناتها السياسية في التعاطي مع أزمات المنطقة وهذا ما أكسبها احترام وتقدير الجميع .