معتقل انصار
بقلم:إبراهيم عطا
هل انت الذي قمت بفتح ثغرة في السياج الشائك من ناحية الطريق؟، سألني الضابط الاسرائيلي بجدية وبنبرة حادة اعادتني الى الواقع والى اجواء المعتقل المتوترة…
– انا لم اقم بفتح اي ثغرة..انما حاولت قطع جزء صغير من السلك المعدني وذلك لاستخدامه كابرة خياطة واداة للحفر على الحجارة، لاني احب النحت وقد…
– اذن، انت تؤكد ان محمود هو الذي قص الشريط؟، قاطعني بسؤاله هذا ولم يعطني المجال لاكمل كلامي حول حصولي على السلك المعدني من احد الصناديق الخشبية الفارغة، وذلك لاستخدامه في خياطة بعض البطانيات وتحويلها لما يشبه الملابس استعدادا لبرد الشتاء القارس، وكذلك لصنع بعض المنحوتات الصغيرة من الاحجار التي نقتلعها من ارض الخيمة الصخرية، وقد صنعت العديد من القطع منها تمثالا لراس نفرتيتي الفرعونية ولكتب حجرية صغيرة ومسابح من بذور الزيتون، وكاني بذلك كنت اود ان اثبت له ان استخدامي للسلك المقطوع كان لغايات بريئة فقط، ولم يكن بهدف الهروب من المعتقل…وقد لاحظت من طريقة سؤاله انه يريد كبش فداء لمعاقبته وجعله عبرة لمن يحاول المساس بالاسلاك الشائكة المحيطة بنا من كل حدب وصوب وتفصلنا عن المعسكرات الاخرى، غير اني لم اؤكد او انفي اتهام صديقي محمود حتى لا تتم معاقبته بمفرده في ساحة المعتقل وتحت اشعة الشمس الحارقة، وقبل ان انهي اجابتي المترددة، طلب مني العودة الى خيمتي وانصرف هو على عجل مع الجنود المرافقين له بعد ان اعطى اوامر بمعاقبة معسكرنا بشكل جماعي طالما لم يعترف احد..
ولكن عقاب معسكرنا اقتصر على الجلوس في الساحة ورؤوسنا مطأطأة الى الارض و دون حراك، وهو ما نفعله صباح كل يوم خلال التفتيش والعد اليومي، ولكن هذه المرة ابقونا جالسين في الساحة لساعات طويلة حتى انهكنا التعب والارهاق، غير ان عقابنا لم يشمل الحرمان من الخبز او الطعام كما حدث للمعسكر رقم ١٢ المجاور لنا، والذي شاهدت في سمائه قبل ايام اجمل صور التضامن بين المعتقلين، نعم، لقد كان منظرا تقشعر له الابدان حيث قامت كل المعسكرات المحيطة به بالقاء ما توفر من قطع الخبز باتجاه المعسكر المعاقب وراينا كيف انهمرت عليه الارغفة كالمطر، ولم اعرف سبب العقاب الا بعد ايام وهو لان بعض المعتقلين من ذلك المعسكر حفروا نفقا يمتد من داخل احدى الخيم باتجاه الطريق المؤدي الى الوادي ومرورا تحت الطريق الفاصل بين المعسكرات، الا ان عملية الهروب فشلت لان سيارة الدورية العسكرية النصف مجنزة سقطت في حفرة النفق وهدمته مما ادى الى اسشهاد ثلاثة من المعتقلين او اكثر…
عدت الى خيمتي حيث كان يقيم معي مجموعة من الشباب الذين كنت اعرفهم من ايام المدرسة الابتدائية في مخيم البرج الشمالي مثل صديقي محمود المتهم بقص الشريط الشائك، واخرين تعرفت عليهم في المعتقل مثل احمد جمعة الذي كان يخبيء السجائر الاربعة التي يحصل عليها ويدخن نصف سيجارة او اقل في كل مرة، وكذلك ابو علي الذي كان يعاني من تبول لا ارادي، واخرين مع قصص وحكايات مختلفة مثل ابو حافظ الذي كان يعاني من وسواس النظافة…واخبرتهم عما دار في خيمة التحقيق واسئلة المحقق الكثيرة…وقد شعرت بنوع من تانيب الضمير تجاه محمود لاني لم اتحمل المسؤولية الكاملة عن عملية قص الشريط…
وفي اليوم التالي هبت عاصفة قوية حملت معها الغبار وبعض صفحات الجرائد الى داخل المعتقل وقرأنا في بعضها اخبارا مثل عملية اغتيال بشير الجميل، وكذلك عن عمليات قتل جماعي لسكان المخيمات في بيروت…وما ان انتشر خبر المجازر الفظيعة المرتكبة من قبل شارون وقواته وحلفائه اللبنانيين في المخيمات حتى ساد جو من الغضب سرعان ما تحول الى ثورة عارمة بدات بالقاء الحجارة على الدورية…
اذا الشعب يوما اراد الحياه فلا بد للقيد أن ينكسر
إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر