ليبيا بين احلام الثوار وكيد الطامعين
بقلم:احمد المعمري
ما أخر حسم الثورة الليبية هي الخلافات التي دائما ما تطفو على السطح بعد كل ثورة ، والمراهنة على المؤتمرات الخارجية التي تحتاج إلى مدة طويلة ، مما يعطي بعض الأفراد الطامحين والدول الطامعة وقت كافي كي يخرجوا مخططاتهم من الغرف المغلقة.
كان بإمكان الفرق الثورية المتحدة الآن تحت حكومة الوفاق أن تسيطر على كامل التراب الليبي لولا انهم كانوا كأيدي سبا قبل أن تتوحد صفوفهم (إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِهِۦ صَفࣰّا كَأَنَّهُم بُنۡیَـٰنࣱ مَّرۡصُوصࣱ) [سورة الصف 4] . من يتأخر في الحسم العسكري لن يفيده الحق السياسي ، فهذا العالم لا يحترم الضعيف ، ولو انهم حسموا هذا الأمر من قبل ، ولم يكتفوا بالدفاع عن طرابلس وضواحيها كما فعلوا حقا على الارض ، لكانوا قضوا على الفتنة في مهدها ، فمن المعروف عسكريا أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم ، فالهجوم يولد الضغط في المناطق الخاضعة لحفتر ، وستلزمه الهجمات على التقهقر كي يتقوقع في قواعده المنتشرة في اغلب البلاد ، وهذه ميزة اخرى للثوار لأن ميليشيات حفتر قليلة العدد مقارنة بجيش حكومة الوفاق ، مما ستلزمه ان يوزع جيشه على القواعد وحقول النفط والموانئ المهمة وذلك سيجعلهم اضعف حالا ، كل ذلك سيحسن من موقع الثوار ويجعل لهم اليد العليا في الحرب.
ها هو علي بن طالب كرم الله وجهه يقول ” والله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ” لأنه لا يسبب فقط خسائر عسكرية ويجعل من ابسط القذائف والصواريخ قابلة لإحداث فرق في ارض المعركة ، بل تجعل من كل المنشئات الخدمية وغيرها في منطقتهم عرضة للدمار ، وتؤثر بشكل مباشر على سير حياة الناس اليومية ، وذلك سيضر بقوة على اقتصاد المناطق التابعة لهم على كل الاصعدة فكما يقول نابليون بونابرت “قوام الحرب ثلاث : المال والمال والمال”
عندما اراد عبد الملك بن مروان غزو العراق وكان عليها مصعب بن الزبير اميرا من قِبَلِ الخليفة اخوه عبد الله بن الزبير ، ارسل لجلّ امراء الحرب في جيش مصعب رسائل مختومة ، حتى بلغت إحداها إبراهيم بن الأشتر ، فاتى بها مختومة وألقاها على مصعب ففضوها ، فإذا بها وعد بإمارة العراق إن هو تخلى عن بيعته لابناء الزبير وإن هو ناصره ضده ، وبنفس الوعد وُعِدَ بقية الأمراء! كنوع من الحيلة القاتلة ، وقد نصح إبراهيم بن الأشتر مصعبا ان يقيد هؤلاء الأمراء لحين انتهاء المعركة ، كي لا يثبطوا جيشه عن نصرته ، فلم يقبل منه الأمر ، وفعلا حين حمي الوطيس تركوا مصعبا كالجمل الأجرب بساحة المعركة ، خلا إبراهيم فإنه كان اول من هجم وصبر ومات على بيعته ، وخرج كل الامراء بعد الواقعة بخفي حنين من الإمارة ! كذلك سيتم دغدغة ضباط الفصائل وأصحاب النفوذ من قبل حفتر واعوانه الإفرنج وبعض العرب خصوصا إذا وجدوا تقهقرا في الميزان العسكري إذا لم يتداركوا الامر ويقلبوا السحر على الساحر.
يجب اخذ المبادرة بالهجوم ، ونقل الحرب تدريجيا للشرق ، وإعادة السيطرة على حقول النفط والموانئ ، ولا يقبلون حتى بالصلح الدولي فحفتر من انهاه بيده (وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ)[سورة الحجرات 9] حتى لا يخرجون صفر اليدين ، ويتم إعادة الكرّة عليهم بهجوم أشد واعنف من ذي قبل ، خصوصا لو استطاعوا تمويل شراء طائرات حربية مقاتلة ، سيحدث هذا فرقا في ارضية القتال ، ويترك العاصمة تحت رحمة الصواريخ ، وليحذروا ان يكونوا كأصحاب عليّ حين انتصروا جزئيا ، فاحتالوا عليهم برفع المصاحف على الرماح كي يدغدغوا مشاعر بعضهم لقبول الصلح ، وفعلا مزقوا جيشه بعد انتصاره كل ممزق ، بين مؤيدٍ لقبول مبادرتهم وبين رافضٍ ان ينصاع للحيلة لكنه بقي مع علي وبين من خطا سيدنا علي في مهادنته لبعض رؤوس جيشه في قبول الصلح الذي يخفي وراءه ما كشفه الزمان بعده ، حتى آل بجيش سيدنا علي ان يتقاتلوا فيما بينهم بالأخير! والعاقل من اعتبر بغيره واخذ من التاريخ الدروس والعبر.