ملهم أنت
بقلم : غنية الشبيبي
يقول المفكر العربي جبران خليل جبران : تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيه وجندي يحميه، ومعلم يربيه.
مقولة تسسللت إلى شغاف قلبي و أودعت بين أروقته ملامح الرضا و تقاسيم الراحة..
وهممت خفية لأدفن ذاتي التي أوجعها النكران وآلمها الجحود.. لأدفنها في رمال الذاكرة علها توقظ دفئا يغط في سبات عميق..
لم يلبث صوت الجرس يلقي بظلاله في أرجاء المدرسة حتى يلملم دفاتر طلابه الكثيرة (أحيانا تصل إلى تسعين دفترا) المبعثرة هنا وهناك على مكتبه الصغير.. يأخذها بحب وأناة وحنان و قد طبع بين ثناياها جزءا منه.. نصحيته… تعزيزه… تنبيهه.. عبارات يقدمها على طبق أبوي عطوف..
وقد أمضى أغلب وقت استراحته في متابعتها و تصحيح أخطائها وتدوين الملاحظات وهو ما يحتاج إلى بال طويل و روح هادئة و ما أن يشرع في الانتهاء منها حتى يباغته صوت الجرس المدرسي؛ لينذره بحصة دراسية جديدة يعوزها جهد و بذل و عطاء حتى يطمئن أن طلابه الصغار قد اتقنوا المهارة وبرعوا في فن العبارة..
يبدو أن جبران لم يخطأ قط.. فعلى أمثال هؤلاء المعلمين والمعلمات تنهض الأوطان و تسامق العلو و تبني الأمم حضارات لا حد لعظمتها و لا انتهاء لرفعتها.. وعلى أمثال هؤلاء العظماء تضاء الدروب والطرقات و يجر الجهل أذيال الهزيمة و تنكسر شوكة الرجعية و تزال كومة التخلف بعيدا.. وعلى أيدي هؤلاء القادة.. نعم قادة.. يخرج المتعلمون معلنين للدنيا أن التقدم حليفهم والعلم شراعا أبيضا يأخذهم مطمئنين إلى عباب السعادة… وهذا ديدن العلم بلا ريب.
إن الإنسان المتعلم الواعي لحال المجتمعات و أسباب تقدمها وتخلفها يدرك أتم الإدراك الدور العظيم الذي يضطلع به المعلم.. فهو ليس قمرا ينير بوهجه طريق المتعلمين فحسب… بل هو مرب جليل يشاطر الأبوين أمانة التربية وهو بلا شك لأمرر جلل..
لكن من المؤسف حقا أن نسمع ونقرأ لشرذمة من الجهلة الذي يصبون جام حقدهم و حسدهم على المعلم متناسين دوره العظيم في تنشئة الأجيال ومتحاملين عليه بجهل وغباء متعمدين إثارة الفتن و تلفيق التهم عليه و نكران فضله و تهميش دوره وأنا أقول إن كان معلم أو اثنان قد قصروا في حمل الأمانة فالتعميم ظالم لا شك… و هناك فئات رائعة ترفع القبعة لإخلاصها و براعة تدريسها و تفانيها في العمل والعطاء.
ولكن حين لا يكون الحكم موضوعيا وحين يهرف البعض من أمثال أولئك المتشدقين والعازفين على أوتار الحسد بما لا يعرفون ولا تدركه أبصارهم الضيقة.. حينها يصدرون أحكامهم الهشة و يبنون من آرائهم الضعيفة كبيوت العنكبوت كذبة لن يصدقها إلا أمثالهم…
أيها العظيم قف وارفع رأسك عاليا فأنت الأفضل و أنت الملهم الذي يخط بتعبه حكاية الازدهار. وأختم بقول أحد الشعراء في وصف المعلم :
حيوا المعلم فالمعلم أمة في روحه يكسو الشعوب ثيابا
ويحاور التاريخ في وجدانه سفر يناغي الخير والمحرابا
ويعارك الدنيا فيعلو فوقها حينا وحين يسحر الأ لبابا