معظم النار من مستصغر الشرر
بقلم : غنية الشبيبية
أعود بذاكرتي المتخمة بتفاصيل الزمن الجميل و أستحضر تحلقنا العائلي الدافئ حول الشاشة الصغيرة لمشاهدة مسرحية مدرسة المشاغبين والتي نجح أبطالها بامتياز في بث موجات الضحك في قلوبنا آنذاك ورسم البسمة على شفاهنا كلما جالت مشاهدها في خواطرنا ونحن غارقون في لحظات طفولية حالمة.
ورغم الهالة العظيمة التي أحاط بها رواد الفن والثقافة مسرحية مدرسة المشاغبين و التبيجل الذي حظيت به و النجاح الكبير الذي حققته واتساع رقعة شهرتها، إلا أن المتأمل بعمق وتأن في مشاهدها قد يخلص إلى أمور كثيرة منها وأهمها أنها كانت سببا جليا في تراجع مستوى التعليم و تشويه فكر الناشئة إلى العلم والمعلم ورسم سيناريو ساخر من المتعلمين و التطبيل على الإهمال و نبذ الاجتهاد والعطاء في أخذ العلم والبحث عن المعرفة.
ولم نر بعدها سوى سنين عجاف في التعليم النظامي الذي لم يتقدم إلا خطوات خجلى وأكثرها عزفت على وتر التنظير لا أكثر، ورشقت التعليم التقليدي بقداسة مزيفة.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على تلك المسرحية إلا أن أبطالها الجدد لازالوا بيننا ينعمون بكم هائل من الحرية، ويذرون تراب التحبيط ونبذ العلم متسلحين على ذلك ببرامج التواصل الاجتماعي التي يقتات عليها ثلة من التافهين الذي يبثون أفكارهم المسمومة بأريحية غير مبالين بسوء الأثر، لاسيما تلك المقاطع المرئية و السمعية التي تسخر من المدرسة والتعليم والمثابرين والتي يتداولها المراهقون و الناشئة فيما بينهم و عقولهم تختزل النفور من المدرسة وتقلل من شأنها.
أكتب هذا المقال ونحن على مشارف فصل دراسي جديد ، وكلي رجاء أن يحمي الآباء أبناءهم من تلك المقاطع و أن يربؤوا بعقولهم الفتية عن ترهاتها ، وأن يغرسوا فيهم الحرص على غربلة ما يشاهدونه في زمن تعولم الكون واختلاط حابله بنابله و خيره بشره؛ فمعظم النار من مستصغر الشرر.
وليشدوا على أيديهم للنهوض بذواتهم وأوطانهم إلى فضاءات الفكر وثورة المعرفة وتقبل الآخر المغاير، فلا شي يجعلهم أقوياء كالعلم والصبر على مرارته، و لاشي سينتشل الأوطان العربية المنكوبة جسديا وفكريا و إعلاميا سوى العلم، لا العويل على الماضي وتوسل التمجيد ولا التماهي في تقليد الآخر الغربي وارتشاف سيئاته والارتكان عليها بحجة أنهم أهل حضارة كما يحلو للبعض أن يردد!! أهل حضارة خذ منهم حبهم للعلم و شغفهم المتزايد بالمعرفة و لا تركن إلى نعيق قمامتهم وفاسديهم بل نافسهم في طلب العلم وإعمال عقلك في ابتكار الجديد النافع، فذلك أجدى لك ولأمتك.