الباحثين عن عمل بين التصريحات والواقع
بقلم : سالمه الفارسيه
مصطلح الباحثين عن عمل مصطلح جميل تميزت به سلطنة عمان لاستبداله بمصطلح البطالة والذي يحمل إشارة سلبية كتعريف للشخص القادر على العمل ولكنه لا يجد فرصة للعمل بالرغم من رغبته في العمل.
لن اتحدث عن الجانب النظري او تطور مشكلة الباحثين عن عمل والتي هي مشكلة عالمية وتواجدها بصور مختلفة في الكثير من الدول، فالمشكلة قد تكون ظاهرة اشبعت بحثا وتنظيرا وهناك الكثير من التوصيات والحلول لمن يبحث عن الحلول بإرادة حقيقية . ولكن سأتحدث بلسان الشارع وكمتابعة عن قرب لحال الباحثين عن عمل بعد ان تحيرت كغيري من المتابعين بين الواقع وتصريحات المسؤولين عن التشغيل . تطالعنا الصحف ووسائل التواصل المختلفة بين الحين والآخر بأخبار وتصريحات تتركنا في ربكة فكرية هل هذه التصريحات حقائق ام نقيضها أم هي انصاف حقائق كما عودتنا عناوين الأخبار وتبريرات المسؤول. في عام 2017 كان هناك تصريح بان عدد الباحثين عن عمل هو 47 ألف باحث عن عمل، بعدها كانت هناك أخبار عن مكرمة سامية بتوظيف 25 ألف باحث عن عمل، تم التصريح بانتهاء التوظيف خلال أقل من ستة أشهر ولسان حال المتابع يقول ممكن؟ غير ممكن! كيف؟ من؟ ولكن يترك الخبر دون تفاصيل ، لتطالعنا خلال اليومين الماضيين الأخبار عن توظيف 67الف ولكن هنا مع كلمة في نهاية الخبر وهي مواطن وليس باحث عن عمل لينظر البعض في الرقم ويتساءل من؟ وكيف؟ دون الانتباه للكلمة الأخيرة. إذا توظف 68 ألف فمن هم هؤلاء؟ فالمتابع لا يرى أخ أو ابن أو قريب أو بعيد يعرفه حصل على وظيفة ليستمر السؤال والحيرة. ولتصبح مزحة تتداول على شكل كاريكاتير أو نكت أو دعوة للتظاهر أو غيره من الحلول التي لا تجدي نفعا سوى اظهار المشكلة على السطح بانتظار الحلول. فهناك فجوة بين التصريحات الرنانة التي تستدعي استشعار هذا الإنجاز بتوظيف 68 ألف، والواقع الرتيب بوجود أكثر من باحث عن عمل في البيت الواحد منهم من تزوج وأنجب وهو ما زال يبحث عن عمل. فجوة من المفترض أن تستدعي انتباه كل مسؤول ليس فقط من واقع كونه مسؤول عن التشغيل ولكن من كونه مسؤول عن مجتمعه وابناءه سواء بفكره أو قلمه او جهده. فعند الحديث عن الباحثين عن عمل لابد من التنبه الى نقاط محددة:
لابد أن يعامل الباحثين عن عمل بمنأى عن التوظيف بشكل عام. فعدد 68 ألف تم توظيفهم كم من هؤلاء هو عدد الباحثين المسجلين في القوى العاملة؟ ومن أي السنوات؟ من خلال نظرة قريبة للوضع أجزم بأن أكثر من نصف هذا العدد هو توظيف عن طريق التدوير الوظيفي، والذي يعني انهم موظفين في الواقع ولكن قاموا بتغيير وظائفهم، كموظف فني تحول الى وظيفة إدارية او موظف خرج من قطاع البنوك لقطاع النفط أو حتى موظف في قسم تحول لقسم آخر أو من شركة لشركة أخرى أو غيره من اشكال التدوير الوظيفي. عدد آخر من هؤلاء الذين تم احتسابهم في 68 ألف موظف هم أيضا من مخرجات التخصصات الجامعية المطلوبة في سوق العمل والتي لم تظل أكثر من أشهر كباحث عن عمل وربما لم تسجل كباحث عن عمل من الأساس كالوظائف التعليمية والطبية والصحية وبقية التخصصات المطلوبة للتوظيف بأعداد كبيرة ، عليه فعند الحديث عن أعداد التوظيف لابد ان نراعي نقاط من أهمها :-
▪ التركيز على الأعداد الحقيقية في توظيف الباحثين عن عمل المسجلين في قواعد بيانات سجل القوى العاملة وليس عن التوظيف بشكل عام والذي يلعب فيه التدوير الوظيفي الحيز الأكبر للتوظيف .
▪ مراعاة الشفافية والدقة في نشر التصريحات وتفاصيلها والبيانات الحقيقية وأسماء الذين تم توظيفهم .
▪ التركيز على العمر والحالة الاجتماعية كأولوية في الوظائف التي لا تتطلب شروط معينة او أفضلية في التوظيف .
▪ إشراك القطاع الخاص في أخذهم التوظيف على محمل الجد وعاتق المسؤولية الاجتماعية وإيجاد فرص وظيفية حقيقية للباحثين عن عمل ومتابعة عملية التعمين والإحلال .
▪ حصر الوظائف المشغولة من قبل الوافدين والتي يوجد بها بدائل من المواطنين والإحلال التدريجي بها.
▪ الاعتماد على سجل التأمينات الاجتماعية في نشر احصائيات التوظيف كونها الجهة الأخيرة في اثبات التوظيف عن طريق تسجيل عقود العمل وقرارات التعيين وليس سجل القوى العاملة وعرضه الوظيفة على الباحث عن عمل . فعرض الفرصة على الباحث وذهابه لمقر الفرصة الوظيفية لا يعني بالضرورة موافقته أو موافقة جهة العمل على التوظيف وحصوله على الوظيفة . وانما سجل التأمينات الاجتماعية هي الجهة الأخيرة في اثبات التوظيف من عدمه .
▪ على الجهات المسؤولة أخذ الموضوع على محمل الجد والعمل كفريق واحد من أجل معالجة تشريعات وقوانين العمل لحماية القطاع الخاص وأرباب العمل في حالة عدم رغبة الموظف في إكمال العمل أو في حال حصوله على فرص وظيفية أفضل . ومساعدة القطاع الخاص في تدريب العاملين وتأهيلهم على رأس العمل . وإيجاد معالجات لأسباب عزوف المواطن عن العمل في بعض القطاعات كالأمان الوظيفي وضمان عدم التسريح من العمل وتحسين مميزات التقاعد والرواتب وساعات العمل والإجازات وغيرها من مميزات في قطاعات العمل .
▪ التركيز على التمكين الاقتصادي والمهني وتشجيع العمل الخاص وتسهيل إجراءات فتح المشاريع الفردية الخاصة الصغيرة والمتوسطة والتي تعمل على توفير فرص وظيفية لأبناء المناطق في أماكن سكناهم .
وفي الختام فإن الإرادة الحقيقية لدى الجهات المسؤولة وليس فقط العمل من أجل تسيير المهام وتبرير الوضع هو المطلوب في الوقت الحالي في ظل وجود أزمة فرص وظيفيه وزيادة عدد الباحثين سنويا ، وعلى الباحثين عن عمل تقبل العمل البسيط كبدايات يستطيع استغلالها كمحطات للانطلاق لما هو أفضل مهنيا مستقبلا . فالحلول متوفرة والفرص موجودة ولكن تتطلب إرادة حقيقية وعمل جماعي جاد وتحديد الاختصاصات وشفافية البيانات وتهيئة قطاعات العمل لتناسب العامل ورب العمل بعيدا عن التبرير والتراشق .
والله الموفق لما فيه الخير والصلاح