ضلع أعوج
وهج الخليج-مسقط
تحقيق: آلاء العجمية.
يقال بأن حواء قد خلقت من ضلعٍ أعوج وهو ضلع آدم عليه السلام، استناداً لما حدث به أبو هريرة، أن النبي ﷺ قال: “استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء” وهو حديث نقله البخاري و مسلم. كما يستدل البعض بقوله تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها ” سورة النساء. وقد حدث خلاف حول تفسير الحديث و الآية الكريمة؛ فمنهم من ذهب إلى أن المرأة قد خلقت فعلاً من ضلع آدم، و منهم من وجد في تفسيره بهذا المعنى انتقاص للمرأة وقد جاء الإسلام ليعلي من شأن المرأة و يحفظ كرامتها. فهل خلقت حواء من ضلع آدم فعلاً ؟
ضلع آدم:
يتبنى بعض المشايخ و أهل العلم الفكرة القائلة بأن الله عز وجل قد خلق حواء من ضلع آدم وهو نائم في الجنة، و منهم الشيخ سعد العتيق الذي يؤكد على أن الباري عز وجل قد خلق حواء من ضلع آدم، و من أعوج ضلع فيه؛ و ذلك حتى يصبر الرجل عليها؛ فهي جزء منه و صبره عليها إنما هو صبر على نفسه.
و يؤكد على ذلك أيضاً، د. أحمد هارون (مستشار العلاج النفسي)، فيقول بأن الله عز وجل قد خلق حواء من آدم عليه السلام و ليس من طينة أخرى؛ حتى يكون عارفاً بأنها تملك نفس الصفات التي يمتلكها ولكن بشكل مختلف، و خلقت من ضلع أعوج، و الضلع الأعوج يكون فوق القلب مباشرة، و لو خلق مستقيما فإنه يخرم القلب؛ فاعوجاجه هو سر حمايته للقلب. و أن حواء قد خلقت من آدم وهو نائم، بينما عندما تلد المرأة فإنها تكون في حالة الصحوة و ليس النوم؛ وذلك لأن طبيعة التكوين النفسي للرجل أنه يكره الألم؛ فلو كان آدم قد تعرض لخلق حواء و هو في حال الصحوة لكرهها. أما طبيعة المرأة أنها من الممكن في وقت من الأوقات أن تستمع بالإيلام، و تتقبل الألم.
و يقول الشيخ أحمد صبري بأن حواء خلقت من ضلع آدم، مما يدعونا للتساؤل لماذا خلقت من ضلعه و ليس من الرأس، أو اليد، أو الساق. و يقول بأنها لم تخلق من رأسه حتى لا تتكبر عليه، ولم تخلق من يده لأن سيدنا آدم و الذرية الذكور لا يستعملون القوة ضد المرأة ، و لم تخلق من ساقه لكي لا يطأها برجليه؛ فحواء خلقت من ضلع آدم حتى تكون السكينة والسكن والطمأنينة لآدم.
عطف و رقّة :
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله بأن الإفساد هو إخراج الشيء عن حد اعتداله لمهمته، وبعض الأشياء قد يكون اعتدالها لمهمتها أن تكون عوجاء، كالضلع مثلا اعتداله أن يكون منحنياً فلو كان معتدلاً لن يؤدي وظيفته بالشكل الصحيح، بأن يحمي الرئة و القلب. و بعضهم يسيء الفهم لمسألة خلق المرأة من ضلع أعوج و أن في ذلك ذم للمرأة، و لكن في حقيقة الأمر يكون ذلك لأن مهمتها تحتم عليها أن تكون كالضلع ليحمي بحنانه الطفولة؛ فاعوجاجها بكونها عاطفية جداً، هذه ميزة لها، والمطلوب أن تكون المرأة رقيقة و عاطفية و أن لا يكون الحزم عندها قوياً؛ لأن مهمتها تفرض عليها أن تكون كذلك.
و يؤكد د. محمد هداية على أنه عندما يقول الرسول عليه الصلاة و السلام “استوصوا بالنساء خيراً ” ففي ذلك مدح للمرأة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يوصي على من هو معيب. و قد خلقت المرأة بطبيعة فيها العطف و الرقة كالضلع بالتشبيه المجازي؛ فلغة الحديث قد تعلمها الرسول الكريم من لغة القرآن. و عندما يقول الرسول الكريم بأن ” أعوج ما في الضلع أعلاه ” ففي ذلك مدح أيضاً و ليس كما يظن البعض بأنه ذم للمرأة، و غاية استقامة الضلع في اعوجاجه؛ فالمرأة الصالحة كالضلع الأعوج الذي يحتوي القلب والرئتين، كذلك تحتوي المرأة الرجل و الأولاد.
و أشار الشيخ الدكتور كهلان الخروصي، إلى أن بعض شراح الحديث و أهل العلم جنحوا إلى ما ورد في روايات ضعيفة، و إلى ما ورد في الإسرائيليات في فهم هذا الحديث، و ذكروا أن المرأة قد خلقت من ضلع من أضلاع آدم عندما كان نائما في الجنة و هذا كلام غريب ولا ينبغي للمسلمين أن يبقوه في آثارهم؛ لأن معنى الحديث واضح، و آيات القرآن الكريم تؤكد على أن الله تعالى كما قال في كتابه ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها “، استخدام حرف الجر(من) متبوعا باسم مجرور فيه ذكر صفة من الصفات التي أسندت إلى خلق الإنسان، كقوله تعالى: “خلق الإنسان من عجل”، “خلقكم من ضعف”، يأتي استخدام حرف الجر (من) هنا بمعنى تلبس الصفة المذكورة بالإنسان، حتى تصير كالجبلة والطبع له، و هذا يوضح معنى حديث رسول الله عليه الصلاة و السلام؛ فالمرأة خلقت من ضلع؛ أي أن صفة خلقها يغلب عليها من الطبع ما هو شبيه بحالة الضلع في أدائه لوظيفته التي تستلزم انحنائه على القلب و الرئتين، ولا يصلح أن يكون مستقيما. ففي حنو المرأة و عطفها شبهت بالضلع الذي يحتاج إلى هذا الانحناء والعوج حتى يتمكن من أداء وظيفته، و ليس في الحديث انتقاص للمرأة، ولا بيان لأنها خلقت من غير المادة التي خلق منها آدم عليه السلام.
الطين أصل الخلقة
يقول الدكتور عدنان ابراهيم أن البعض يزعم أن القرآن الكريم قد قرر حقيقة أن حواء هي جزء من آدم بدليل أن الله عز وجل يقول في سورة النساء: ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها ” فالآية واضحة بأن أول نفس خلقت هي آدم و أن حواء خلقت بعد آدم، و هذا غير صحيح؛ فكلمة زوج في اللغة العربية تطلق على الذكر والأنثى، وما أستكين له أنا أن النفس الواحدة هي حواء و الزوج هو آدم و لم يبقى متعلق لأحد بهذه الآية حتى يقول مصححاً لحديث أبي هريرة في الصحيحين بأن حواء خلقت من ضلع آدم؛ فهذا غير صحيح لسببين، أولاً : حيثما وردت كلمة نفس في كتاب الله وردت مؤنثة، و في لغة العرب قد تكون اللفظة مؤنثة و مصداقها مذكر؛ فيصح تذكيرها اعتبارا بالمصداق، و يصح تأنيثها. و النفس وردت مؤنثة باستمرار، نقرأ في سورة الأعراف ” هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ” الزوج هنا هو ذكر قطعاً لأنه قال ليسكن إليها، و آية الأعراف هي آية النساء ذاتها، بالتالي ما ورد في آية النساء المقصود به أن النفس هي حواء و الزوج هو آدم. و لكن هذا لا يعني أن آدم قد خلق من حواء؛ لأن الله عز وجل يقول “و بدأ خلق الإنسان من طين”؛ فكما خلق الله عز وجل آدم من طين خلق حواء من طين أيضاً، و لفظة ” منها ” الواردة في سورة النساء؛ فهذه ليست (من) التبعيض، وفي لغة العرب قد تكون (من) النشوئية، أو ابتدائية، و قد تكون بيانية أو تبعيضية ، أو لغير ذلك. و (من)هنا بيانية و ليست تبعيضية؛ فالله قد خلق لها من نوعها زوجاً تأنس به، على رأي الإمام المفسر أبو مسلم بن بحر الأصفهاني. و ليس في القرآن الكريم ما يدل على أن حواء خلقت من آدم، بل أنها خلقت خلقاً مستقلاً.
وأكد الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله، على أنه عند تفسير قوله تعالى: “وجعل منها زوجها”، لا يمكن اعتبار (من) تبعيضية لأنه يترتب على ذلك قضايا فاسدة؛ كالقول بأن حواء قد خلقت من ضلع آدم وهو نائم، ولا صحة لذلك؛ فالله عز وجل كما خلق آدم من تراب كذلك خلق حواء من تراب أيضاً، وفي القول بأن الله قد خلق حواء من ضلع آدم دلالة على العجز و حاشى لله ذلك؛ فالله قادر على خلق حواء من تراب كما خلق آدم عليه السلام. و “جعل منها” بمعنى أنه جعل من جنسها؛ فالنوع الذي خلق الله منه آدم خلق منه حواء.