أدلب … القصة الكاملة
وهج الخليج – مسقط
تواترت التقارير الإعلامية في العالمين العربي و الدولي خلال الأيام السابقة حول ما أصطلح تسميته أعلاميا و من الجانبين المتصارعين على الأرض السورية بمعركة أدلب، حيث قامت مؤخرا القوات الحكومية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد بعملية حشد قدرها مراقبون على أنها الأكبر حجما منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس من عام 2011م، قابلتها المعارضة السورية المسلحة بكافة تشكيلاتها المعتدلة و المتشددة بعملية تدشيم وتحشيد مماثلة على الجانب المقابل،
وأذ لعبت الأطراف المتقاتلة على الميدان السوري على الأوتار الإعلامية محاولتا بذلك أستقطاب الرأي العام العربي للوقوف الى جانبه، فأننا في هذا التقرير المبسط سنحاول فهم وفك بعض الشفرات للإزالة الغبش و سوء الفهم الموضوعي لماهية الأحداث في المحافظة منذ البداية و بشكل موضوعي و من جوانب عدة.
أدلب المحافظة
تقع محافظة أدلب في شمالي سورية، أذ تحدها محافظة حلب من الشرق و حماة من الجنوب والجنوب الشرقي عبر منطقة سهل الغاب، و من الغرب محافظة اللاذقية عبر ما يسمى بجبال الساحل السوري ومن الشمال ترتبط أداريا بالحدود التركية عبر لواء الأسكندرونة (محافظة هاتاي التركية)، و يبلغ عدد سكان المحافظة في أخر إحصائية رسمية حوالي 1.5 مليون نسمة. و تتوزع الكتلة السكانية بشكل أكبر ضمن 6 كتل سكانية شبه رئيسية في المحافظة، منها مدن أدلب (العاصمة الإدارية) و معرة النعمان و اريحا و جسر الشغور و خان شيخون و تتفرق اليقية في بلدات سراقب وسلقين و حارم و تفتناز غيرها من البلدات.
تعتبر محافظة أدلب منطقة زراعية بامتياز، و بطبيعة الحال فأن معظم سكان المحافظة يعملون في الزراعة و تربية المواشي، و تتباين معدلات الهطل السنوية للأمطار في المحافظة من منطقة الى أخرى، ففي شرق المحافظ في منطقة أبي الضهور و ما حولها فهي لا تزيد سنويا عن 250 ملم و أما في المناطق الغربية المتاخمة لمحافظ اللاذقية و جبال الساحل فأنها تصل سنويا الى حوالي 800 ملم، و هو ما يجعلها أرض خصبة، فسميت بأدلب الخضراء نسبتا الى كثرة مزارع الزيتون فيها.
بداية الحراك
كما أسلفنا سابقا فأن معظم سكان المحافظة، يعملون في الزراعة و تربية المواشي، و كنتيجة طبيعية لذلك فأن معدلات دخل الفرد تكون منخفضة، مما يعزز من أنتشار البطالة و الهجرة نحو المدن الرئيسة كحلب و دمشق حيث تتوفر الفرص الوظيفية بمدخول جيد.
و تعتبر ادلب بيئة محافظة اجتماعيا حيث يغلب نمط الحياة الريفية على المنطقة، مما يجعلها بيئة خصبة للحراك ضد الدولة المدنية في سورية وهو ما ظهر جليا ضمن ما أصطلح تسميته في أوساط الشارع العربي بالربيع العربي، حيث أصبحت المحافظة بمثابة الخزان البشري و اللوجستي لمقاتلي المعارضة السورية في البلاد، وممرا أمنا لوصول السلاح و المقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية.
تسلسل الأحداث (2011 – 2013)
قام مسلحين تابعين للجيش الحر، بنصب كمين لتعزيزات أمنية كانت متوجهة الى مدينة جسر الشغور الحدودية مع تركيا بتاريخ 6 يونيو من عام 2011م، حيث قتل في الهجوم حوالي 120 عسكريا سوريا وفق مصادر حكومية رسمية، أعلن بعد ذلك المقدم حسين هرموش وهو المؤسس الفعلي للجيش السوري الحر و الذي ينحدر من محافظة أدلب عن تبنيه الهجوم، حيث أعتبرها انتقاما لاستخدام الأمن السوري السلاح في مجابهة المتظاهرين السلميين في مدينة جسر الشغور بحسب تعبيره.
في خريف 2011م شن مسلحو المعارضة السورية، حرب عصابات على الثكنات والتعزيزات العسكرية السورية، خصوصا التي كانت متجهة على طريق حلب – دمشق الدولي و طريق اللاذقية – حلب الدولي، حيث دمرت المعارضة السورية العديد من الأرتال العسكرية، في حين تمكنت قواتها من السيطرة على أجزاء هامة من المحافظة السورية، و كانت القوات السورية قد وضعت نصب أعينها للسيطرة على حي بابا عمرو في مدينة حمص و بلدات أرياف حمص الشمالية مثل الرستن و تلبيسة و سهل الحولة التي سقطت بأيدي مسلحي الجيش الحر في حينه.
في مارس من عام 2012 و بعد تمكن القوات السورية من استعادة السيطرة على مدينة حمص بالكامل و انسحاب مسلحي الجيش الحر من حي بابا عمر، بدأت تكثف عملياتها العسكرية لاستعادة المناطق التي خرجت عن سيطرتها في خريف 2011م، فتمكنت من السيطرة على مدينة ادلب و خان شيخون و معرة النعمان و كافة المدن الرئيسية في المحافظة، و أنسحب مسلحو الجيش الحر الى البلدات و القرى الحدودية بالقرب من تركيا.
بعدها أنتقل مسلحو الجيش الحر، الى حرب العصابات و أسلوب الكمائن و زرع العبوات الناسفة على الطرق التي تمر فيها الأرتال التابعة للجيش السوري، خلال الشهور الاربعة التي تلت انسحابهم من المدن الرئيسية في المحافظة خلال معارك مارس من عام 2012.
في يونيو من عام 2012 تمكن مسلحو المعارضة من السيطرة على بلدة قلعة المضيق في سهل الغاب التابع لمحافظ حماة حيث تعتبر البلدة الأهم في السهل الخصب، وهي منطقة متاخمة لجبل الزاوية الاستراتيجي من ما مكن مسلحي المعارضة من التمدد مجددا في بلدات المحافظة خلال صيف ذلك العام، فتمكنوا من السيطرة على معرة النعمان و خان شيخون و أريحا وتفتناز ومعظم بلدات محافظة ادلب، باستثناء مركز المحافظة مدينة ادلب و جسر الشغور و بلدة حارم و سراقب، و نظرا لأهمية المدن و البلدات انفة الذكر للقوات الحكومية لأنها تقع على الطريق الدولي بين دمشق و حلب، حيث كانت القوات السورية منشغلة بمعركة حلب في صيف 2012 و ذلك بعد تمكن مسلحو الحر من السيطرة على معظم الريف الشمالي لمدينة حلب.
فشنت القوات الحكومية السورية هجوما عنيفا على مواقع الجيش الحر، في مدينة أريحا، و أستعدة السيطرة عليها و تمكنت من فتح طريق أمداد مهم الى مدينة أدلب عبر محافظة اللاذقية.
في بداية الخريف و بالتحديد في أكتوبر، نجحت المعارضة في السيطرة على بلدة سلقين.
في اواخر الخريف من ذلك العام، قامت القوات التابعة للمعارضة مجددا بشن هجمات ممنهجة على مواقع السيطرة الحكومية في جيب موالي للحكومة السورية، حيث واجهة المعارضة استعصاء واسع من خلال أن الحاضنة الشعبية الكبيرة للقوات الحكومية، و بعد معارك عنيفة سيطرت على بلدة حارم و قلعتها التاريخية و التي كانت تحوي ثكنة عسكرية.
انهت المعارضة السورية ذلك العام بالسيطرة على مدينة سراقب في ديسمبر.
تبقت للقوات السورية عدة ثكنات عسكرية، في محيط بلدات خان شيخون و مطار تفتناز للمروحيات و مطار أبو الضهور العسكري و عدة بلدات في محيطه، بالإضافة الى مدينة ادلب و اريحا و جسر الشغور و معسكر المسطومة و بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للحكومة.
استغلت قوات المعارضة، العواصف الثلجية، فتمكنت من السيطرة على مطار تفتناز للمروحيات في بداية عام 2013م.
عام الانتصار للمعارضة
انشغلت المعارضة السورية المسلحة بالقتال مع مسلحي تنظيم داعش والذي بدأ يشن هجمات موسعة على مواقع المعارضة في ريف حلب، و أدلب و كامل الشرق السوري و بدأت قواتها بالانكفاء، حيث بائت جميع محاولات المعارضة بالسيطرة على معسكرات وادي الضيف و معمل القرميد و معسكر الحامدية خلال عامي 2013 و 2014م. في الوقت ذاته كان جهد الجيش السوري منصبا في عمليات فك الحصار عن سجن حلب و معارك فك الحصار عن مشفى الكندي و مدينة الشيخ نجار في حلب.
في مارس 2015، و ذلك بعد تشكيل ما بسمي في حينه بجيش الفتح و هو ائتلاف عسكري يتكون من جبهة النصرة و احرار الشام و صقور الشام و جند الأقصى و مسلحي الجيش الحر و جبهة الأصالة و التنمية و فيلق الشام، شن الفصيل الجديد هجوم موسع و ممنهج على معسكرات وادي الضيف و معمل القرميد و معسكر الحامدية فسيطر عليهم خلال أيام.
و يأتي هذا الهجوم، بعد أن نجحت جبهة النصرة في القضاء على حركة حزم في بداية مارس، وهي فصيل معتدل كانت الولايات المتحدة قد دربته و زودته بمعدات عسكرية و أسلحة نوعية من أبرزها صواريخ التاو المضادة للدروع، فكانت الأسلحة التي غنمتها من الحركة دافعا للهجوم لتوفر الأسلحة النوعية اللازمة للهجوم.
في أواخر شهر مارس، قام الائتلاف الجديد بالهجوم على مدينة أدلب، ضمن معارك أستمرت لمدة 5 أيام، فسيطر عليها بالإضافة الى معسكر المسطومة و انسحبت القوات الحكومية الى مدينة جسر الشغور و التي تحولت حينها الى العاصمة الإدارية في المحافظة، بعد فقدان السيطرة على مدينة أدلب، العاصمة الإدارية للمحافظة.
في أواخر ابريل من عام 2015، شن مسلحو المعارضة ضمن ما يسمى بمعركة النصر، هجوما موسعا على مدينة جسر الشغور و التي انسحبت القوات السورية منها، باستثناء مستشفى المدينة، و الذي حاصره مسلحو المعارضة لمدة شهر تقريبا، قبل أن تشن القوات السورية غارات عنيفة على محيط المستشفى، فتقوم القوات السورية المحاصرة داخل المستشفى بالانسحاب منه تحت وطأة الغارات الجوية المكثفة، وذلك بعد فشل القوات الحكومية في فك الحصار عن المستشفى، فيما بعد بثت وسائل أعلام معارضة صورا لجثث منتشرة قالت أنها تعود للقوات الجيش السوري، قتلت حينما حاولت الانسحاب من المستشفى المحاصر.
في يونيو من نفس العام، تمكن جيش الفتح من السيطرة على مدينة أريحا، بعد اشتباكات شبه محدودة في المدينة، و بذلك تتبقى بلدتي كفريا و الفوعة و مطار أبو الضهور العسكري في قبضة القوات الحكومية.
في الخريف من نفس العام سيطرت المعارضة السورية بقيادة فصيل جيش الفتح على مطار أبو الضهور العسكري في شرقي محافظة ادلب، حيث تلى ذلك التدخل الروسي العسكري في سورية في أكتوبر من نفس العام، و الذي بدورة لعب دورا كبيرا بترجيح الكفة الى جانب الجيش السوري.
حاولت قوات المعارضة بما فيهم جيش الفتح السيطرة على بلدتي كفريا و الفوعة خلال السنوات التي تلتها، بيد أن كل محاولاتها بائت بالفشل، حتى تم أبرام اتفاقية وقف التصعيد بين الأطراف، الأمر الذي أوقف العمليات العسكرية في المحافظ من 2017 و حتى بداية عام 2018.
ترجيح الكفة للقوات السورية مجددا
شنت القوات التابعة للرئيس السوري بشار الأسد هجوما واسعا على المنطقة الواقعة شرق سكة حديد الحجاز، بدعم جوي روسي، بعد انكفاء مسلحي المعارضة و أحرار الشام عن القتال الى جانب هيئة تحرير الشام تطبيقا للاتفاق أستانا. فسيطر في أواخر شهر يناير على معظم مدن و بلدات شرق السكة و من ضمنها مطار أبو الضهور العسكري و الذي سبق أن اخلاه لصالح مسلحي المعارضة في خريف 2015.