وزارة الصحة ترد حول مقطع فيديو متداول عن “الخليط Premix الذي يضاف إلى دقيق الحنطة والقمح” وتؤكد انه غير صحيح
وهج الخليج-مسقط
أكدت وزارة الصحة عبر حسابها الرسمي في تويتر ورصدته “وهج الخليج” ان وسائل التواصل الاجتماعي تناقلت مقطعًا مصورًا يحذّر فيه المتحدث من التعامل مع الخليط الأولي Premix الذي يضاف إلى دقيق الحنطة أو القمح موردًا معلومات كثيرة تتمحور حول تحقق الضرر من ذلك. وتود وزارة الصحة ممثلة بدائرة التغذية أن توضح عددا من المغالطات والأخطاء العلمية الواردة في ذلك المقطع المصور.
أولاً: الخلط بين عملية القصر أو تبييض دقيق القمح (Bleaching) وبين عملية إضافة الخليط الأولي المشار إليه في المقطع والتي تسمى عملية التدعيم أو الإثراء (Fortification) . فالخلط بين مفهومين مختلفين وعمليتين منفصلتين وجعلهما في خانة واحدة يعد مغالطة علمية وفنية.
وثانياً: الحديث عن الدقيق الأبيض بوصفه منتجًا سامًّا كنتيجة حتمية لوجود مادة الأللوكسان، علمًا أن هذه المادة يمنع إضافتها مباشرة إلى الطحين، لكنها تتكون بنسب ضئيلةٍ جدًّا نتيجة لتفاعل المادة المبيضة من نوع ثاني أوكسيد الكلوريد chlorine dioxide مع مكونات المادة الغذائية. فالجزم والقطع بوجود مركب الأللوكسان السام في دقيق القمح المعالج بالمبيض أمر لا يصح؛ فقد أظهرت دراسة علمية حديثة توافر الأللوكسان في أقل من ربع العينات التي فُحصت، ومن بينها خليط الكيك المصنوع من القمح المبيض، وبكميات ضئيلة جدًّا (0.88-1.0 ملغم/كغم من المادة الغذائية)، وهي تبعد كثيرًا عن الجرعة السامة المثبتة في الدراسات العلمية (50-100 ملغم/كغم من المادة الغذائية).
والسؤال: هل هذه الكمية من الأللوكسان ضارة للإنسان؟ الجواب بحسب تقرير من جامعة ماكجيل الكندية أنه ليس ثمة إثبات علمي يؤكد أن هذة الكميات القليلة ضارة، ولهذا ينصح بعض المهتمين بعدم تناول الخبز الأبيض والكيك المصنوع منه لتوافر هذه المادة غير المرغوب فيها، تجنبًا لخطر محتمل، وليس خطرًا محققًا. وحين إنعام النظر في مكونات الخليط المشار إليه نجده خليطًا خالصًا من أحد عشر عنصرًا من العناصر الغذائية الصغرى من الفيتامينات والمعادن، وهي: فيتامينات (أ) و (د٣)، والثيامين (ب١)، والريبوفلافين (ب٢)، والنياسين (ب٣)، والبيرودوكسين (ب٦)، والكوبالامين (ب١٢)، وحمض الفوليك، ومعادن الكالسيوم، والزنك، والحديد.
تعد إضافة هذا الخليط إلى دقيق القمح الأبيض جزءًا من برنامج تدعيم القمح وإثرائه بالعناصر الغذائية الصغرى (الفيتامينات والمعادن) التي فقدت في أثناء عملية تكرير دقيق القمح، وهي العملية التي تُزال فيها عن حبة القمح القشور والنخالة المحيطة بحباته والأجزاء الصلبة؛ إذ يُزال نحو ثلث هذه المكونات حين إعداد دقيق القمح، فيفقد القمح المقشور، غالب العناصر الغذائية الصغرى المركزة في تلك القشور، وهي العناصر المذكورة سابقًا باستثناء فيتامينات (أ) و (د) و (ب12) القليلة أو المنعدمة أصلًا في حبات القمح.
كما تعد إضافة تلك العناصر إلى دقيق القمح خطوة متقدمة في منع الإصابة بنقص العناصر الغذائية بين فئات المجتمع، ولا سيما تلك المهددة بخطر النقص كالأطفال وكبار السن والنساء الحوامل والمرضعات.
وعلى الرغم من افتقار القمح أصلًا إلى فيتامين (أ) و (د) و (ب١٢) واحتوائه كميات قليلة من الكالسيوم والزنك والحديد؛ إلا أن إضافة تلك العناصر النزرة إلى دقيق القمح الأوسع انتشارًا والأرخص سعرًا يسهم بفاعلية في تحسين الحالة التغذوية للمجتمع، ويقلل من حالات العوز الغذائي فيه، وما ينجم عن نقص تلك العناصر الغذائية من الإصابة بعدد كبير من الأدواء والاعتلالات الوظيفية والأيضية والتشوهات الخَلقية.
وقد طبقت سلطنة عمان عملية الإثراء تحت إشراف الأمم المتحدة وبالتعاون مع عدد من الخبراء المحليين والدوليين منذ عام ١٩٩٥ لذا يُستبعد سيناريو نظرية المؤامرة الذي اعتدناه في جوانب حياتنا كافة لا سيما الصحية منها.
وهنا يبرز السؤال حول علامة السمية الظاهرة على غلاف الخليط المذكور. والجواب أن تلك الخلطة توضع بمقدار ٢٥٠ غم لكل طن مكعب من القمح المطحون، كما هو ظاهر جليًّا على الغلاف، وهو ما يعادل ٢٥٠ جزء بالمليون. وعلى الرغم من ضآلة ذلك الكمّ في طن القمح إلا أن تناول الإنسان له بشكله المركز هذا يعد خطرًا جدًّا؛ نظرًا لتوافر تلك العناصر في الخليط الأصلي بكميات كبيرة تفوق حاجة الإنسان إليها بمئات الأضعاف أو آلافها، ما يجعلها شديدة السمّية له وللبيئة الحياتية المحيطة به.
أما المغالطة الأشد فهي القول بأن حمضَ الفوليك الموجود في ذلك الخليط مركبٌ سام ومسرطن، وهذا مجاف للصواب، إذ يعد الفيتامين المذكور عنصرًا غذائيًّا أساسيًّا، ويتسبب نقصه لدى الأمهات الحوامل في إصابة الأجنة بتشوهات خلقية تعرف بالظهر المفتوح Spina bifida or open dorsal tube وعدم اكتمال نموّ الدماغ Anencephaly، وتعد إضافته إلى دقيق القمح عاملًا مهمًّا في منع الإصابة بهذا النقص وما ينجم عنه من تشوهات خلقية خطيرة.
أما الملاحظة الأخيرة فهي التسبب بنقص العناصر المعدنية المذكورة في المقطع المصور (المغنيسيوم وغيره)، والتي لم يفصح فيها المتحدث عن طبيعة النقص ومكان حصوله (في الغذاء أم في الجسم)، وكيف يحصل، وهو ما لا يمكن الرد عليه نظرًا لعدم وضوحه، لكنه يدل على عدم فهم وإدراك لحقيقة هذا التأثير السلبي لدى المتحدث، ونظنه مستبعدًا؛ نظرًا لشيوع استخدام الدقيق المعالج وقلة انتشار النقص لهذه العناصر المذكورة.
وختامًا، فقد حاولنا التعريج على أبرز ما ورد في المقطع المصور الواسع الانتشار، رغبة في تجلية الحقائق وإزالة اللبس الذي تتسبب فيه تلك المقاطع والتي تحدث حالة من الارتباك والريبة والتشكك في مكونات غذائنا كلها دون توافر دليل علمي قطعي. وهنا يجدر التنبه على ضرورة التحقق من المعلومات قبل نشر أي من تلك المقاطع، وأهمية الرجوع إلى الجهات المتخصصة وذوي الاختصاص والخبرة؛ حفاظًا على مصلحة الناس، ودرءًا لانتشار المغالطات والإشاعات، وحماية لعقولهم من التشويه والتحريف.