خبر وتعليق!!
بقلم:جمال الكندي
تداولت وسائل الأعلام مؤخراً خبر إمكانية لقاء الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب بالزعيم الكوري الشمالي ” كيم جونغ اون في شهر مايو القادم، وذلك حسب تصريح مسؤول كوري جنوبي كبير، وذكرت كذلك تعليقاً على هذا الخبر المتحدثة باسم البيت الابيض “سارة ساندرز” أن ترامب “سيقبل الدعوة للقاء “كيم جونغ أون” في مكان وزمان سيتم تحديدهما لاحقاً. انتهي الخبر
قبل أن أعلق على الخبر أود في لمحة سريعة التذكير في أسباب النزاع السياسي بين كوريا الشمالية وأمريكا.
العداء الأمريكي لكوريا الشمالية سببه الأيدلوجية السياسية التي تحكم كوريا الشمالية، والتي لا تتناغم مع الرؤية الأمريكية اقتصادياً وعسكرياً، بخلاف كوريا الجنوبية التي بها قواعد أمريكية وتسير حسب خطها السياسي.
ففي عام 1910م كانت شبه الجزيرة الكورية واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية اليابانية، حتى خسارة اليابان للحرب العالمية الثانية.
مع انتهاء الحرب عام 1945م، بدأت الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي في تقسيم الأراضي الخاضعة لسيطرة الحلفاء فيما بينهم باعتبارهم القوتين الأقوى في ذلك الوقت.
نتيجة لأسباب معينة فقد اقترح الاتحاد السوفييتي في الوقت الذي كانت اليابان فيه على وشك الاستسلام أن يكون خط عرض 38 شمالًا هو الخط الفاصل بين القوات الأمريكية وقوات الاتحاد السوفييتي.
هذا الأمر كان معناه أن الاتحاد السوفييتي لن يسيطر على كافة شبه الجزيرة الكورية رغم قدرته على ذلك في ذلك الوقت، مما جعل نصف الجزيرة الشمالي خاضعًا لسيطرة الاتحاد السوفييتي، والجزر الجنوبية خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة.
هذا الواقع التاريخي تفجر بعد هزيمة اليابان، فتقاسمت أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق، الكوريتين، حيث أصبح الجزء الشمالي منها خاضع للإيدلوجية الاشتراكية، ويقترب مع الرؤية الروسية الصينية حالياً، وفي الجانب الآخر نجد كوريا الجنوبية على نقيض جارتها الشمالية في كل شيء، وهذا يعود لتبنيها النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة والعسكرة، وهذا طبعاً ليس خيارها ولكن مخرجات الحرب العالمية الثانية هي من أوجدت هذه المعادلة كما هو كان حاصلاً في ألمانية الغربية والشرقية سابقاً. من هنا ندرك سبب التباين بين الكوريتين.
بدايةً لماذا الآن يراد لهذا اللقاء أن يتم؟ وهل هذا الطلب أمريكياً أو كورياً شمالياً؟ الأكيد أن من نقل الخبر وهو مسؤول كوري جنوبي حسب وسائل الأعلام الأمريكية، وهذا ما ذكرته “قناة فوكس نيوز”، وكوريا الجنوبية كما قلنا هي تحت مدار الفلك الأمريكي، والتابع ينقل قول السيد على هذا الإساس يكون الطلب أمريكياً وليس من زعيم كوريا الشمالية.
إن التصلب وراء المصالح الوطنية التي سادت في كوريا الشمالية، والتهديد باستخدام السلاح الصاروخي أرعب أمريكا وأجبرها بعد استنفاذ كل العقوبات الاقتصادية، وعجزها في استخدام القوة العسكرية بأن تقبل بالتحدث مع الزعيم الكوري الشمالي الشاب وجها لوجه، وهذا بدوره يؤسس لنظرية اسمها “تؤلمني أؤلمك تضربني أضربك” والمصالح الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية، واليابان هي في مرمى الصواريخ الكورية الشمالية.
نحن هنا لا نتمنى أبداً تفجير مثل هذا النزاع الخطير الذي بدوره سوف يؤثر على باقي دول العالم، ويمكن أن يسبب في نشوب حرب عالمية جديدة تنطلق من شبه الجزيرة الكورية، وهذا يعلمه جيداً حلفاء أمريكا في المنطقة.
إذاَ لماذا هذا التسلح الكوري الشمالي المستمر، والتهديد باستخدام السلاح النووي، إذا كانت ستقبل بالجلوس مع العدو الاستراتيجي لها وتتفاهم معه، والسؤال على ماذا سيتفاهمان.
الجواب إنه سلاح التوازن العسكري الذي أوجدته كوريا الشمالية، وهي الاستراتيجية التي بها تنال حقوقها من الدول الكبرى، ففي ظل وجود مثل هذا السلاح تبدأ معها عملية المساومات، ماذا تعطيني؟ لأعطيك!.
ماذا تريد كوريا الشمالية؟ الأكيد أنها لا تريد خوض حرب نووية تبيد الأخضر واليابس، ولكنها بهذا السلاح تريد أن تفاوض أمريكا من منطق القوي، مع عدم قبولنا لوجود سلاح نووي في أي بلد في العالم، وهذه طبعاً قناعة مبدئية راسخةَ في من ينشد السلام، ولكن لكل دولة وجهة نظرها في صراعها مع الآخر.
إن عدم قدرة أمريكا بأن تفعل في كوريا الشمالية ما تفعله في بلداننا العربية ناتج بسبب تبني كوريا الشمالية لاستراتيجية التوازن العسكرية مع أمريكا بحدوده الدنيا، والتي نراها اليوم تأتي ثمارها بعد فشل الحصار الأمريكي لهذا البلد.
كوريا الشمالية تريد أن تدخل في المعادلة الدولية وهي تعلم أن دخولها في ظل الهيمنة الأمريكية للأنابيب المال والمعلومات لن يحصل إلا بتوافق معها، فهي الممسكة ببوابة المجتمع الدولي، وهذا ما تريده كوريا الشمالية وتسعي إليه عن طريق الضغط على أمريكا بواسطة ترسانتها العسكرية التي ترعب حلفاء أمريكا وأمريكا نفسها.
ما تريده كوريا الشمالية مبني على قاعدة “تعطيني أعطيك”، ولكن بشرط الذي أعطيك لا يكسرني مستقبلاً، ولا تقدر من خلاله أن تتحكم في مصير الشعب الكوري الشمالي، ولا تقدر كذلك أن تتدخل سالباً في أي توافق كوري شمالي جنوبي تتبناه الكوريتين بعيداً عن إملاءات هذه الجهة أو تلك.
نموذج كوريا الشمالية قريب من النموذج الإيرانية مع اختلاف المبدأ، فالأخيرة فاوضت الغرب من منطق القوي كذلك، المدافع عن حقوقه في الحصول على التقنية النووية السلمية.
بالمقابل هنالك دول بسبب ضعفها وعدم وجود استراتيجية وطنية ثابته لديها، تنهب ثرواتها وتستزف مواردها البشرية، وتدخل بأوامر غيرها في صراعات عبثية، وما يحدث في بلداننا العربية لا يحتاج إلى تفسير.
فإلى متى سيظل العبث بمقدرتنا الطبيعية، وإهدار دمائنا باسم الحرية والديمقراطية، وهي ستار مفضوح لفرض الهيمنة والسيطرة تحت شعارات هي أوهن من بيت العنكبوت.
أنا أحترم كوريا الشمالية لأنها أجبرت أمريكا بتحدث معها من منطق القوي الذي يخط وده، ولم تخاف من تهديداتها، لأنها واقفةً على أرض صلبة عنوانها ثوابتنا الوطنية وحقوقنا السياسية والاقتصادية والعسكرية خط أحمر لا يمس والقوي دائماً يحترم، والقوة هنا لا تقاس فقط بالتفوق العسكري، ولكن لها جوانب أخرى سياسية واقتصادية وجغرافية، والسؤال يبقي كيف أديرها لتحقق لي المصلحة والمنفعة الوطنية.