العمق التاريخي للعلاقات العمانية المصرية مؤشراً لمستقبلٍ مشرق بين البلدين
وهج الخليج-العمانية
في الوقت الذي أرسى فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – علاقات السلطنة مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة في المنطقة وعلى امتداد العالم من حولنا ، على أسس ومبادئ واضحة ومعلنة وثابتة ، وهو ما أعطى السلطنة ، بقيادة جلالته – أعزه الله – مكانة مرموقة على كافة المستويات ، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن العلاقات بين السلطنة وجمهورية مصر العربية الشقيقة ، قدمت على مدى العقود والسنوات الماضية نموذجًا ناضجًا ومميزًا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء على المستويين الرسمي والشعبي في كافة المجالات ولما أسهمت وتسهم به هذه العلاقات ، وعلى نحو إيجابي وملموس ، ليس فقط على صعيد العلاقات وخدمة المصالح المشتركة والمتبادلة في كل المجالات ولكن أيضا على صعيد ما يمكن أن تقدمه من إسهام إيجابي لصالح مختلف الدول الشقيقة والصديقة وخاصة على صعيد تعزيز مناخ الأمن والاستقرار والتقارب بين الأشقاء والأصدقاء والتعاون لحل الخلافات بالحوار والطرق السلمية وبما يعزز أواصر العلاقات بين الدول الشقيقة على كافة المستويات. ومما له دلالة عميقة ، على صعيد العلاقات الراسخة والوثيقة بين السلطنة وجمهورية مصر العربية الشقيقة أن يقوم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية بزيارة دولة للسلطنة اعتبارا من يوم غدٍ /الأحد/ حيث يلتقي مع أخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – أبقاه الله – لبحث مختلف جوانب العلاقات بين الدولتين والقضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك بالطبع مختلف التطورات التي تشهدها المنطقة ، وما تفرضه من تحديات كبيرة على دول وشعوب المنطقة .
جدير بالذكر أنه في حين أعربت السلطنة دوما ، وفي كل الظروف ، عن وقوفها ومساندتها لجمهورية مصر العربية الشقيقة ، سواء في مواجهتها للإرهاب الغاشم ، الذي تتعرض له ، أم في مساعيها المتواصلة لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ، وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا ، فإن ذلك إنما ينطلق في الواقع من اعتبارين أساسيين ، أولهما ،الإيمان العماني العميق بالسلام ، والعمل الدائم والمتواصل من أجل تحقيقه ، خليجيًا وعربيًا وإقليميًا ودولياً أيضا ؛ إدراكا ويقينا بأهمية وضرورة تحقيق الأمن والسلام كشرط ضروري لكى تستطيع دول المنطقة وشعوبها بناء حياتها والسير في تحقيق مصالحها الوطنية وفق خياراتها هي ، وبعيدًا عن أية صورة من صور التدخل في الشؤون الداخلية ، والتعاون بحسن نية لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لكل دول وشعوب المنطقة ، وفي إطار تعادل المصالح ، وهو ما أرساه وأكد عليه جلالة القائد المفدى على امتداد العقود والسنوات الماضية ، وتحت مختلف الظروف ، وفي مواجهة كل التطورات ، خليجية وعربية وإقليمية ودولية . وليس سرا أن هذا الالتقاء الاستراتيجي بين السلطنة وجمهورية مصر العربية الشقيقة ، في العمل من أجل السلام القائم على العدل ، شكل ركيزة أساسية من ركائز بناء وتطوير العلاقات بين الدولتين والشعبين الشقيقين على امتداد السنوات الماضية .
ومن المعروف في هذا المجال ، وعلى سبيل المثال – لا الحصر – مساندة السلطنة لجمهورية مصر العربية في اختيارها للسلام مع إسرائيل ورفض السلطنة مقاطعة جمهورية مصر العربية بعد توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979 ، عندما قررت الدول العربية الأخرى ذلك في قمة بغداد في ذلك الوقت . وقد أثبتت الأحداث والتطورات صحة وبعد نظر مواقف السلطنة المرتكزة على مبادئ وضعها جلالة القائد المفدى ، وفي مقدمتها رفض مقاطعة الأشقاء ، وذلك من منطلق أن الخلافات ، مهما تشعبت ، فإن مآلها إلى الحل ، وإن العلاقات بين الأشقاء تعود حتما إلى مجاريها ، عند التعرض لآية خلافات تعتريها لسبب أو لآخر . وقد شكل هذا اليقين العماني الراسخ والمنحاز إلى الحفاظ على علاقات الأخوة مع الدول الشقيقة ورفض مبدأ المقاطعة ، قاعدة وأساسا للكثير من الجهود الخيرة والمساعي الحميدة التي سعت وتسعى السلطنة للقيام بها من أجل تهيئة أفضل مناخ ممكن للعلاقات بين الأشقاء والأصدقاء ولتعزيز سبل تحقيق السلام والأمن والاستقرار لكل دول المنطقة وشعوبها .
أما الاعتبار الثاني ، الذي حكم موقف السلطنة ، فإنه يتمثل في إيمانها بحق مصر الدولة والشعب كغيرها من الدول الشقيقة والصديقة في اختيار سياساتها ومواقفها وتحديد مصالحها من ناحية ، وإدراك أن مصر بحكم دورها ومكانتها وتأثيرها في المنطقة قادرة على الإسهام الإيجابي في تحقيق المصالح العربية خاصة إذا تعاونت معها الدول العربية الأخرى من أجل ترسيخ مناخ الأمن والاستقرار ودفع جهود حل الخلافات بالطرق السلمية وبما يحافظ على مصالح مختلف الأطراف المعنية من ناحية ثانية وعلى هذه الأسس انطلقت العلاقات العمانية المصرية ، لتنمو وتتطور على مختلف المستويات ، الرسمية والشعبية ، مستندة إلى تقارب والتقاء واسع في المواقف ووجهات النظر وإيمان عميق بالسلام ، وإلى علاقات تاريخية امتدت منذ الفراعنة وعلاقتهم بحضارة مجان ، وعبر حقب التاريخ المتوالية .
والآن فإنه من المعروف على نطاق واسع أن العلاقات بين السلطنة وجمهورية مصر العربية الشقيقة ، خطت خطوات كبيرة على طريق تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة ، اقتصاديا وتجاريا وثقافيا وإعلاميا وفي مختلف المجالات ، كما أن اللجنة العمانية المصرية المشتركة ، التي استأنفت اجتماعاتها ، بالتبادل بين مسقط والقاهرة ، في العامين الأخيرين ، تسعى إلى تطوير سبل ومجالات التعاون البناء بين الدولتين والشعبين الشقيقين ، وبما يخدم مصالحهما المشتركة والمتبادلة في مختلف المجالات ، بما في ذلك تعزيز الاستثمارات المشتركة ، حيث يقوم مجلس رجال الأعمال العماني المصري بدور في هذا المجال ، خاصة وأن شركات مصرية عديدة تعمل في السلطنة ، كما أن هناك استثمارات عمانية في أكثر من مجال ومشروعات مشتركة في جمهورية مصر العربية .
وخلال شهر نوفمبر الماضي ، أجرى معالي الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع المصري محادثات مع معالي السيد بدر بن سعود بن حارب الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع ، كما زار معالي سامح شكري وزير الخارجية المصري مسقط وأجرى محادثات مع معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية استمرارا لتبادل وجهات النظر بين الدولتين الشقيقتين حول مختلف التطورات.
وعلى هذه الأرضية الراسخة والعلاقات الوثيقة ، فإن الزيارة التي سيقوم بها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية للسلطنة اعتبارًا من يوم غدٍ/الأحد/ والقمة التي يعقدها جلالة السلطان المعظم وأخوه فخامة الرئيس المصري ، هي قمة على جانب كبير من الأهمية ، ليس فقط لالتقاء المواقف بالنسبة للعديد من التطورات والقضايا الراهنة في المنطقة ولكن أيضاً لأنها ستكون بمثابة قمة الحكمة والعمل المخلص والدؤوب من أجل إيجاد حلول سلمية لا غنى عنها في الواقع ، للخلافات الراهنة ، والتي تدفع شعوب عربية عدة ثمنها من حاضرها ومستقبلها ، خاصة وأن هناك إسهامات عمانية بناءة بالنسبة للكثير من هذه القضايا والتطورات .
من جانب آخر فإن اللقاءات العمانية المصرية تشكل في الواقع قوة دفع كبيرة للعلاقات بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات خاصة وأن قيادتي البلدين تدعمان ذلك وتوفران كل مقومات النجاح له ؛ لتحقيق مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين في الحاضر والمستقبل وبما يعود بالخير أيضا على دول وشعوب المنطقة التي تتوق إلى السلام والأمن والاستقرار وإلى بناء حياة أفضل لأبنائها بعيدا عن التهديد أو استخدام القوة ، أو التدخل في شؤونها الداخلية على أي نحو وهو ما أيدته وتؤيده السلطنة دوما.