القدس عربية إسلامية فلسطينية
بقلم:جمال الكندي
وعد بلفور جديد صدر من ذات القوى الاستعمارية الإمبريالية التي تعتبر أن العرب وثرواتهم وخيراتهم ومقدراتهم مطمع مشروع لديها، لذلك كانت قبل قرون الحملات الصليبية، وبعدها جاء الغرب إلينا بثوب جديد اسمه حماية ومساعدة العرب بعد انتهاء العهد العثماني، عنوانه الانتداب الغربي للدول التي خرجة من العباءة العثمانية، وهو احتلال بمعنى الكلمة.
هذا الاحتلال زرع في أرضنا العربية البذرة الصهيونية العفنة بوعد مشؤوم اسمه “وعد بلفور” الذي أسس لوجود كيان سرطاني نهش في جسم الأمة العربية، ومازال ينهش وساعد الجماعات المسلحة على تفتيت وتشتيت القوى العسكرية الفاعلة في المنطقة، التي كان لها دور تاريخي في المواجهة مع إسرائيل.
هذه الكيان لا يقدر أن يعيش إلا في بيئة بوصلتها قتال العربي أخاه العربي، وهذا ما كان في مسرحية الربيع العربي.
الانتكاسة العربية الجديدة بعد وعد بلفور ونكسة 67 هي قرار الرئيس الأمريكي “ترامب” اعتبار القدس عاصمة إسرائيل وبموجبه يتم نقل السفارة الأمريكية إليها، وهذا كان وعداً من قبل كل رئيس أمريكي يخوض غمار الانتخابات الأمريكية منذ أكثر من عشرين عاماً، لكي يتقرب إلى اللوبي اليهودي، فهو مفتاح النجاح والفشل لدخول البيت الأبيض.
بعد الوصول إلى البيت الأبيض يتغير الخطاب ولا ينفذ الوعد، هنا نحن أمام استراتيجية أمريكية معروفة ، وهي أن كل رئيس أمريكي كان يقول أنه سينقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأن القدس هي عاصمة إسرائيل ، وعندما يصل إلى سدة الحكم يتغير كل شيء أو بمعنى أصح يجمد كل شيء. هذا طبعاً لعلم الرئيس الأمريكي أن في ذلك تداعيات خطيرة لعملية السلام بين العرب والإسرائيليين.
جاء الرئيس الأمريكي “ترامب” وفعل ما لم يفعله الرؤساء الأمريكيين قبله، ووقع على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وهذا بدوره يسقط القرار الأممي رقم (181) الصادر سنة 1947 والذي يقضى بإعلان دولتين على الأرض الفلسطينية، دولة يهودية إنشات بفضل حلفاء إسرائيل ، ودولة فلسطينية تحاول من ذلك التاريخ وعبر المفاوضات، وعملية السلام المزعومة مع هذا الكيان المحتل، وتحت إدارة أمريكية بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها.
الأمم المتحدة تعترف بأن القدس الشرقية منذ نكسة 67 أرض محتلة من قبل الكيان الصهيوني، وترفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، فهي تدعوا إلى إيجاد صيغة حل الدولتين، وتحقيق السلام الشامل بينهما على أساس أن القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية والفلسطينية.
طبعاً هذه الأمر ترفضه فصائل المقاومة في فلسطين، وتطلب بكامل القدس، فهي أرض فلسطينية سلبتها أيادي الغدر الصهيونية.
لذلك فإنه على مدار الأعوام الماضية كانت الولايات المتحدة لا تعترف رسمياً مثل باقي دول العالم بالاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية، حيث يوقع رئيس الولايات المتحدة كل ستة شهور قراراً بتعليق نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بعد أن تبنى الكونغرس الأمريكي قراراً في عام 1995 بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، فأصبح منذ ذلك الحين القرار بيد الرئيس الأمريكي الذي بات يؤجله كل ستة شهور.
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يعني كذلك بأن شرقها وغربها تحت السيادة الإسرائيلية، وأي مفاوضات سلام مستقبلية لن تضع بند القدس تحت أي بنود تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأنها أصبحت إسرائيلية يهودية فقط، لا يتدخل بأمورها الدينية والسياسية إلا الصهاينة، وهذه كارثة كبرى ستصيب العرب والمسلمين.
قرار “ترامب” بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يدمر عملية السلام لأن فلسطين بلا قدس لا معنى لها، والتفاوض مع الصهاينة يرتكز أساساً على قضية القدس، فبدون هذه القضية يصبح التفاوض عبثي وبدون عنوان.
ترامب بتوقيعه هذا القرار أراد أن يهرب إلى الأمام من مشاكله السياسية في الداخل الأمريكي، فأرد بذلك أن يحقق للوبي اليهودي ما كان وعد به مثل باقي الرؤساء الأمريكان، ليكسب دعم هذا اللوبي لمساندته في مشاكله الداخلية، فكان ذلك على حساب القضية الفلسطينية.
تجرأ “ترامب” على فعل ذلك يعود إلى ضعف الكلمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، وتوجه العرب لمحاربة عدو أوجده الأمريكي وحلفاؤه في المنطقة، وعندما أصبحت البوصلة اتجاهها إلى غير الوجهة الفلسطينية، وموجهة بفضل مال عربي وسلاح أمريكي وغربي إلى الدخل العربي لتفتيت الجغرافية العربية وإيجاد سايس بيكو جديد يخلق
كيانات مسخة في المنطقة، لا تحمل أي عداء للكيان الصهيوني بل العكس تحتمي في حماه وتقول، أن عدونا ليس إسرائيل بل عدونا من يحارب إسرائيل، ويحتضن قوى المقاومة الشريفة التي دائماً فلسطين والأقصى هي من أولويتها، لذلك سهل هذا الأمر لرئيس “ترامب” في إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل فقط.
هذا الإعلان ربما يكون له دوافع كما ذكرنا من قبل “ترامب” ولكنه، بالمقابل سوف يوحد كلمة العرب والمسلمين ويعيد قليلاً مشاعرنا التي أضعنها تجاه فلسطين، وربما تكون هذه الخطوة بداية الصحوة العربية والإسلامية تجاه هذه القضية المنسية وسط حطام الإرهاب المصنع من قبل الغرب.
إن ما نراه من تنديدات واسعة من قبل العرب والمسلمين والمجتمع الدولي يبشر بالخير، وأن هذا الأمر لن يمر برداً وسلاماً على الكيان الصهيوني ، وسيجبر “ترامب” على تجميد هذه الأمر، وهذا ليس بشيء غريب على السياسة الأمريكية البرجماتية التغير، وأعتقد بأنها بالونت اختبار لرؤية مدى تأثير هذه الأمر على الشارع العربي، والساسة العرب، وحتى على حلفاء أمريكا الأوربيين، والمشهد يوضح بعد التوقيع على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أن حتى حلفاء أمريكا التقلدين ضد هذا القرار الأرعن، والأيام وحدها كفيلة بإظهار مدى تماسك العرب والمسلمين لقضية القدس، وأنها خط أحمر أخطأ الرئيس “ترامب” في تجاوزه .