الثامن عشر من نوفمبر حديث خاص للشباب العماني
بقلم:جمال الكندي
تحتفل سلطنة عمان في كل عام في يوم الثامن عشر من نوفمبر بعيدها الوطني، هذا العيد هو يوم وطني كبير بالنسبة للعمانيين فهو يذكر العمانيون خاصةً الجيل الذي واكب ما قبل عام 1970 بأن هنالك نهضة اجتماعية واقتصادية وسياسية فتحت أبوابها لعمان بعد سنوات من التيه والضياع والنزاعات على أساس قبلي وسياسي.
إن تاريخ الاحتفال بالعيد الوطني العماني وهو ليس حدثاً عادياً بالنسبة لعمانيين بل هو إشعار للقاصي والداني بأن سلطنة عمان منذ ذلك التاريخ دخلت لتكون من الدول المؤثرة والفاعلة في المحيط العربي والإقليمي، بعد سنوات من الانكفاء الداخلي والانشغال بمشاكلها، فجاء الرجل الذي نفض غبار سنين العزلة العمانية، فذكر العالم بتاريخ العماني الكبير ودوره في ريادة المنطقة.
جاء السلطان قابوس وحمل لواء التغير، ونقل عمان إلى وضعها الطبيعي الذي كنا نقرأ عنه في صفحات التاريخ العماني بأنها كانت قوة لا يستهان بها ويخطب ودها وقربها، واستطاعت سنوات حكم السلطان قابوس أن تغير من الشأن الداخلي العماني من الانغلاق إلى الانفتاح لكل ما هو جديد، وأن تفرض رؤية السلطان قابوس في الشؤون الخارجية والتي صنعت منه رجل السلام في المنطقة بكل استحقاق.
أنا أعلم بأن الأقلام العمانية وغيرها سوف تتبرى للحديث عن منجزات النهضة المباركة على مدار 47 عام، وهذا شيء طبيعي ومستحق لهذا القائد الفذ الذي نقل عمان من ضفة إلى ضفة أخرى، ولكني سأتجاوز ذلك لعلمي بأن غيري سوف يبرز ذلك ويبدع فيه.
من هذا المنطلق أقول بأن الاحتفال بالعيد الوطني 47 لهذه العام هل هو مختلف بالنسبة للعمانيين عن الأعوام السابقة.؟ الاحتفال هو الاحتفال وتعودنا في عمان بأن يكون الاحتفال احتفالا كبير كل خمسة سنوات. لذلك أقول لابد أن يكون الاحتفال كبير هذا العام في نفوسنا، وأن نستحضر هذا الإكبار لسبب معين، وهو في السياسة الحكيمة لهذا القائد في الشأن الخارجي، والتي نفتقدها هذه الإيام عند بعض القادة في المنطقة. من هنا أريد أن أخاطب فئة الشباب وأنا منهم، والتي لم تعاصر سنوات ما قبل 1970 بكل تفاصيلها، والتي يرويها لنا من عاصر تلك الحقبة، فنجده يقول الحمد لله تعالى الذي منى على عمان شخصية مثل السلطان قابوس نقلت البلاد من ظلمة إلى نور.
هذا الشاب العماني أخاطب فيه المكانة العمانية التي وصلتها اليوم عمان، وأين نحن من قضايا ومشاكل المنطقة، وهل زج بنا قائد عمان في أتون تلك التجاذبات السياسية والصراعات الدموية التي عصفت بالمنطقة سواءً بالتدخل المباشر أو بمساعدة طرف على حساب طرفاً آخر، وفي المحصلة دماء عربية وخليجية تزهق بأسباب واهية لا تساوي الدم الذي أريقت من أجله، والجواب عندك أيها الشاب العماني.
أنا أعلم بأن الشباب العماني ينتظر من الحكومة الكثير في الشأن الاقتصادي والتنموي والتعليمي والوظيفي، وهذا ما تقوم به الدولة وهذا واجبها، ولكن هنالك متغيرات خارجية في الاقتصاد والسياسة قد تؤثر في سير هذه المنجزات بعض الشي، والسلام الإقليمي والعالمي هو من أهم الأسباب التي تسرع من عجلة التنمية، وهنا يأتي دور عمان في صنع هذا السلام.
من هنا أعتقد يأتي التميز بالاحتفال بالعيد الوطني لهذه العام، فهو في هذا العام وقبله يأتي والمنطقة تخوض أتون معارك سياسية وعسكرية في العراق وسوريا واليمن والبحرين وقطر وليبيا، ويقتل من خلالها المواطن العربي في هذه البلدان، وسلطنة عمان في مأمن وفي سلم داخلي لا تشارك في هذه الحروب سواءً بالطريقة المباشرة أو الغير المباشرة، بل على عكس ذلك فهي خط الرجعة للمتقاتلين والمتخاصمين سياسياً.
هذا طبعاً بفضل السياسة الحكيمة لقائد عمان السلطان قابوس فهو أرسى دعائم السياسة الخارجية لسلطنة عمان، هذه السياسة حفظت الدم العماني من الهدر لأن الدم العماني عند السلطان غالي لذلك لا تجد سلطنة عمان تشارك في أحلاف وحروب عبثية تشن هنا أو هنالك لأسباب هي أوهن من بيت العنكبوت، وفي الغالب تكون بسبب مطامع اقتصادية أو قيادة سياسية للمنطقة. احتفالنا بالعيد الوطني لا بد أن ينحى هذا المنحى، بالإضافة للمنجزات التاريخية التي تحققت خلال مسيرة النهضة المباركة.
هذا المنحى الذي أخاطب فيه فئة الشباب ، هذه الفئة التي لم ترى عمان قبل عام 1970 أقول لها بأن سلطنة عمان ربما تكون اقتصاديا ليست مثل غيرها من دول الجوار، ولكن ميزتها التي وضع بصمتها السلطان قابوس حفظه الله تعالى أنها مستقرة من الداخل واستقرارها من الداخل ناجم عن السياسة المستقلة لسلطنة عمان في التعاطي في قضايا المنطقة، وحرصها أن لا تكون طرفاً لأي حرب مشتعلة في منطقة الخليج والعالم العربي والإسلامي، بل هي حمامة سلام إن صح التعبير لشعوب المنطقة. لذلك لا تراى أو تسمع بمقتل جندي عماني في ساحات القتال خارج القطر العماني، فسياسة قائد عمان هي السياسة الذهبية التي يتعنى بها كل عماني ” لا نتدخل في شؤون الأخرين ولا نسمح بأي أحد أن يتدخل في شؤوننا الخاصة ” هذه السياسة هي من حفظة الدم العماني من أن يسيل في غير ساحات الدفاع عن الوطن والسلطان.
احتفالنا بالعيد الوطني 47 لابد أن يستحضر هذه الميزة التي أوجدها قائد حكيم واعي لمجريات الأمور قاد دفة الحكم في عمان إلى الأمان، هذا الأمان هو السلم الذي يعشه العمانيون اليوم، فلا توابيت ترسل في داخلها جثة يسأل ذويها فيما قتل أبننا ومن أجل ماذا؟ وأعتقد ان هذا السؤال يطرح ولو كان ذلك بين خلجات النفوس ولا يخرج للعلن.
لذلك كانت سياسة السلطان قابوس بعدم دخول عمان في أتون الحروب المسيرة من الخارج من أجل أجندات مذهبية وسياسية تقود إلى هلاك البلاد والعباد، وتزعزع السلم الأهلي فيها بإرسال شبابها إلى المجهول. عمان لعبت دور الإطفائي الذي يطغى نيران الحروب والمشاكل السياسية، ويكفي لنا فخراً هذه الصفة التي جنبت سلطنة عمان من أن تكون مشاركة في سفك دماء عربية مسلمة سوف يسأل عليها من سفكها. هذا هو الفخر بعينة الذي لابد للجيل الحالي أن يعلمه جيداً ويحتفل في هذا العيد المجيد بأن سلطنة عمان حققته بفضل قيادة حكيمة على رأس هرمها السلطان قابوس، عنوانها دبلوماسية السلام والحكمة.