هجوم الواحات محاولة بائسة لكسر الإرادة المصرية
بقلم:جمال الكندي
لعبت مصر في الفترة الأخير دوراً بارزاً في حل بعض الأزمات العربية، وبرغم أنها مشغولة بمعالجة جراحها الداخلية، والتي مازالت تعاني منها بين الحين والآخر، استطاعت أن تبرز في إيجاد مخارج سياسية لبعض أزمات المنطقة. جاءت حادثة الواحات الأخيرة والتي وقعت بمحافظة الجيزة لشغل مصر مرة أخرى بإرهاب الداخل عن دورها الريادي في الخارج، فبعد أن ظهرت قويةً وتصنع الحلول السياسية، تضرب من الداخل مرةً أخرى لإشغالها بمحاربة عدو يراد منه كسر هيبة جيشها وقواتها الأمنية.
إن الذي كان يراد لمصر بعد ربيعها الأول هو أن توضع في غير مكانها القيادي المرموق، والذي صنعه لها التاريخ المصري، فأعداء مصر يريدون جرح هذا الجيش الكبير بشوكة الإرهاب، ومن خلال هذه الشوكة تكسر الإرادة المصرية وقوتها المتمثلة بجيشها وقواتها الأمنية.
ما حققته مصر من إنجازات خارجية تمثلت في مصالحة تاريخية رعتها القاهرة بين حركة فتح وحماس، وإنهائها خصومة بينهما عمرها تجاوزت العشرة سنوات، ومساهمتها في أن تكون إحدى مفاتيح الحل في سوريا، فكانت من الدول الضامنة والمساهمة في تخفيف مناطق التوتر في ريف دمشق.
هذه الإنجازات والتي أعادت لنا اسم الجمهورية العربية المصرية كقوة إقليمية فاعلة يحسب لها حساب في المعادلات السياسية، لا يعجب داعمي الإرهاب وصانعيه، الذين يريدون أن تظل مصر تعاني من جراحها وأن تكون مسيرةً حسب الأجندة السياسية المرسومة لها بعد فوضى الربيع العربي.
إن ما يكبل الجيش المصري للقضاء على هذا الإرهاب هو اتفاقية كامب ديفيد، الذي هو حسب رأي كثير من المتابعين للشأن المصري يعيق القوة المصرية ولا يعطيها المساحة والحرية الكافية في تطهير هذا الإرهاب في شمال سيناء، ففي الاتفاقية قيود تعرقل حجم توزيع القوات المصرية بسيناء، وهذه القضية يعلمها المصريين جيداً.
إن مسألة إضعاف الجيوش المركزية في الوطن العربي هو الشغل الشاغل للعدو الصهيوني وحلفاؤه، فهو يعلم أن في قوة هذه الجيوش زواله، وما نراه من إرهاب يضرب العراق وسوريا ومصر هو دليل على هذا المخطط المدروس بعناية فائقة منذ انتصار الجيوش العربية في حرب 73 مع الكيان الصهيوني.
عملية الواحات وغيرها هي رسائل لمصر بأن تنكفأ بمشاكلها الداخلية، وتعمل فرملة تجاه ما تصنعه في الخارج، وهي أشبه بضريبة تدفعها مصر لإبراز وجودها من جديد في الساحة العربية كدولة تملك مفاتيح الحل في المنطقة وتعمل على خلق توازن بينها وبين القوى الإقليمية الأخرى، هذا التوازن لا يراد من مصر أن تحققه، بل يراد منها أن تكون على خط واحد مشابه لبعض هذه الدول وهذه هي مشكلة مصر معهم.
العملية الإرهابية الأخيرة هذه بصرف النظر عن الجهة التي قامت بها سواءً داعش أو حركة حزم الأمر سيان، ولكن السؤال الجوهري هنا والذي يطرح نفسه من يقف خلف هذا الإرهاب؟ ولمصلحة من يستنزف الجيش والأمن المصري؟.
إنها لمفارقة غريبة أن تستهدف ثلاثة جيوش عربية وهي (السورية والعراقية والمصرية) خلال فترة زمنية متقاربة، وفي زمن ما يسمى الربيع العربي بإرهاب يحمل رايات إسلامية، ويصور هذه الجيوش بأنها كافرة ولا بد من محاربتها واستنزافها بشرياً وعسكرياُ.
البوصلة غائبة او مغيبة في عيون هذه الجماعات المسلحة، التي تقاتل الجيوش الوطنية، فهي موجهة باتجاه الداخل العربي، ومعطلة ضد الكيان الصهيوني بل إنها متعاونة معه، كما هو الحال في سوريا، إنه فعلاً زمن استهداف الجيوش العربية بأوامر خارجية، ومن أجل أجندة معينة مرسومة بدقة بعد الربيع المشؤوم.
مصر تعاني من هذا الإرهاب، وكلما كانت لها كلمة ضده زادت العمليات الإرهابية، ولكن بالمقابل كلما تعاونت مصر مع الدول المستهدفة من نفس هذا الإرهاب سواءً كان بنكه داعشية أو قاعدية أو إخوانية كسر هذا الإرهاب وداعميه، فوحدة الهدف بين الجيوش الثلاثة تستدعي مزيد من التعاون العسكري والأمني والسياسي، وهذا ما يخيف من يدعم هذا الإرهاب.
الكل يذكر عندما تعاون الجيش المصري مع الجيش السوري في حرب 73 كسرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومرغوا أنف العدو الصهيوني في التراب، والبطولات مازالت تروى عن هذين الجيشين إبان حربهما مع العدو الصهيوني، وذلك حصل بسبب وحدة المصير والهدف بينهما ، وما نشهده اليوم من إرهاب يصيب الدولة المصرية والسورية لا يختلف عن مشهد حرب 73 ولكن الفرق هنا أن العدو هو من بني جلدتنا ويحمل زوراً وبهتاناً رايات إسلامية، وهذا ما يطمأن إسرائيل، فإذا توحدت الجيوش العربية المستهدفة من قبل هذا الإرهاب صنعنا نصراً أخر يوازي نصر أكتوبر 73 .