صيف الامنيات وحديث الذكريات

بقلم:د. رجب العويسي

في الصيف تبرز الأحلام والأمنيات في أجمل صورها، وتنثر الذكريات الجميلة خيوطها الممتدة، لترسم في النفس شعورا إيجابيا لا يوصف، وأحاسيس مرهفة تتناغم مع خيالات واقع متجدد، لتسرد حكاية تلكم المحطات الجميلة والمواقف المعبرة التي عاشها أحدنا، في بعض صيفه وهو يتنزه بين وجهات سياحية متعددة حول العالم، حيث الطبيعة والتاريخ والتراث والجمال والثقافة والفن والبيئة الطبيعية الساحرة، والمناظر الخلابة والحدائق والغابات، والحيوانات والجبال والأنهار وأشياء كثيرة، وقد اكتسب من محطات توقفه وتأمله، حقائق مثيرة، وجالت في ذاكرته أفكار مثرية، واختلطت بقناعاته أحداث متباينة بعض الشيء، ليعيش الجمال والثقافة، وأساليب العيش والحياة ،وطرق التعامل واهتمامات الشعوب، وتاريخها وتراثها المادي والمعنوي، لتصبح رصيده الثقافي، وتجربته في الاطلاع على قيم الشعوب ، ونماذج الحضارات الانسانية وآثارها، في اختلاف بيئاتها وتباينها وتكاملها في الوقت ذاته، فرصة للحصول على رصيد قيمي، وتجربة ثيّمة، وذاكرة تنعم بالكثير من الأحداث، وتسطّر في خلدها وقائع لا تنتسى، ومواقف قد لا تتكرر، وعادات الشعوب التي وجدت في العالم الافتراضي مساحات التداول والبحث فيها والتأمل في معطياتها، لتطرح ذكريات الصيف تساؤلاتها على النفس حول الرصيد النوعي الذي يمكن أن يتبقى في الصورة القادمة وتعكسه لدى الفرد وهو يعود إلى وطنه ، يحمل معه ذكريات جميلة لبلدان العالم، وهو يقرأها في ثوب جديد، وعبر بوابة وطنه الواسعة، بما تطبعه الصورة التي يمتلكها، نحو جماليات وطنه ، ومنظومة حياته وعادات التعايش والعيش، وأساليب التواصل، ومحددات التناغم الإنساني والتعايش في كل جوانب حياته اليومية، وهو يكتشف في الثراء الإنساني، فرصة متجددة لقراءة الحياة بوجه جميل، وبصورة تحمل في ذاتها معاني الأمل والحب والمستقبل والمشترك الإنساني، في جوانب الحياة المختلفة، في عادات الحياة اليومية وتفاصيلها الدقيقة، في أساليب العمل، ومنهجيات التعامل، وطرق الحوار والتواصل، وفي محددات الظروف ومتطلبات التعامل مع الأزمات، في الانفاق والاستهلاك والاقتصاد والاعتماد على النفس، في الاكتشاف والاختراع والتجديد والبحث ، في المشاركة والاحتفاليات والاعياد وغيرها ، وبالتالي قراءة التأثير الايجابي الذي يحمله في سلوكه القادم، والتغييرات التي تحصل على حواراته وأساليب الخطاب، وآلية التعامل، ونظرته لمفهوم التطوير والتجديد والتغيير، وقناعاته حول العديد من المشاهدات والملاحظات الخاصة والعامة، فمع الاعتراف بأن الاختلاف في طرائق التعبير، واشكال الحياة واردة ، والفرص قد تتغاير وتختلف من بيئة إلى اخرى، إلا أنها تبقى فرصة للتعلم، وفهم طريقة الشعوب في التعامل مع الادوات والاليات المتاحة لها، بشكل ينسجم مع طبيعة الظروف والمتغيرات التي تصادفه في حياته اليومية، كمدخل يقي الفرد مسألة الاعجاب السلبي غير المتكافئ، ويقلل من المقارنات التي تبرز حالة من عدم الشعور بالإيجابية في أحيان كثيرة، فتنتقص من حق الأوطان، وتسيء إلى الجهود ومبادرات الانجاز والعطاء، بما ينعكس سلبا على نتائج هذه الذكريات، وفجوة ربطها بممارسات الحياة المتجددة؛ ليصبح التمازج الحاصل في ألوان الصورة والتناغم في محدداتها وأحداثها، لوحة جمالية رائعة تضع الذكريات موجهات حياتية راقية، لرسم أنموذج حياتي فريد للمستقبل، ويعطي الحياة من محطات الجمال ، فرصا أكبر لقطف ثمار ذلك في ممارسات حميدة، وشعور قوي بقيمة الوطن، وإدراك أقوى بما يحمله من جمال أخاذ، ومواقف ماجدة تستدعي الوقوف عندها، والبحث عن فرص استثمارها أو الترويج لها، في مسارات متجددة نقرأ خلالها الجمال، في أفلاج وطننا وعيونه، وجباله وسهوله، وصحاريه وسواحله، في عاداته الساعية للحب والتآلف والتناغم والترابط والتكافل والتسامح والسلام، والمؤصلة لسلوك الالتزام والتطوير والتجديد ، لنستعيد خلال ذكريات الصيف، كيف صنع إنسان هذه الاوطان هذه الأحلام، واكتشف في بيئاته هذه الأسرار، ووظفها بشكل يسلب اللب؛ ليكون صنيع إنسان هذا الوطن الغالي أيضا، عنوان يستعيد به ذاكرة الوطن الجميل، في احتوائه واحتضانه، وأمنه وأمانه وشموخه وقوته، لتنعكس في الصورة التي ينقلها لوطنه ومجتمعه وبيئته وأسرته” عٌمان ” بين أسواق بلده ومساجدها، وجبالها ووديانها، وقلاعها وحصونها، ومتاحفها وبيوتها الأثرية، لتكبر في نفسه مساحات التغيير، ويبني فيها طموحات التجديد، لتتحول هذه الذكريات، إلى فرصة لتغيير القناعات حول الكثير من الجوانب التي أساء فيها الظن نحو وطنه، ليجد إجابة كافية تتناغم مع أحلامه وتتفاعل مع أفكاره وتأخذ به إلى عالم السعادة والطمأنينة، في ظل قاموس الوطن ومفرداته الثقافية وأشكاله التعبيرية الراقية، ليصبح التحدي الأكبر لديه في ترقية مسألة التأمل والبحث والتفكير في هذا المنجز الحضاري الوطني بصورة أكبر وأعمق، ليصنع بذاته مرحلة التجديد، وبعبر عن خلجات نفسه بمزيد من الحب والشعور بالفخر نحو منجز وطنه السياحي والحضاري والتراثي والقيمي، ليكتشف مكامن الثراء بأدوات متجددة تعلمها من ذكرياته واطلع إليها وجرّب بعضها في رحلة الذكريات، لتتحول ذكريات الصيف، إلى حياة متجددة، وممارسة منتظمة متفاعلة متفائلة تجلب له الابتسامة والدافعية والحب والايجابية، لتبرز في واقعه الجديد صورة مكبرة عن واقع متجدد يتعايش معه، بتوظيف هذا الرصيد المعرفي والفكري، ومشاهد التجربة على ارض الواقع؛ الى سلوكيات وبرامج عمل في حياته الوظيفية والمهنية والأسرية والاجتماعية، إنه بذلك يصنع فارقا كبيرا في نتاج هذه الذكريات، ينقلها من مرحلة الخمود والحفظ في الذاكرة، إلى تعريضها للتأمل والحوار والنقاش والتصفح والتتبع وإعادة استرجاعها من الذاكرة مع ذكر مواقف الاستحسان أو التحدي الحاصلة، التي بدورها تنقل الفرد لمسارات البحث في كيف يمكن أن يخلق التجديد في الممارسة اليومية والتعامل مع الفرص المتاحة له في ظل الرصيد الحضاري والقيمي والمفردات الثقافية والسياحية التي تذخر به أرض عمان الغالية، بما يتيح له فرص الاستمتاع بأرضه وسمائه وخيراته ، لنصنع من ذاكرة الشعوب، فرصة متجددة لقراءة محور العطاء للوطن، في تنوع طرائق العمل، وتعدد أساليبه، واختلاف أدواته ، ونبتكر من الأدوات والوسائل، ما نتفوق بها على غيرنا ، ونحن قادرون على ذلك، لتتحول ذكرياتنا في الصيف، إلى أسلوب حياة، ومساحات إنجاز، تنشد لوطننا الخير، نحمل هويته ونؤصّل مبادئه، ونبني أحلامنا في سبيله، لتظل “عُمان” طريقنا الذي نقصده، مهما تعددت وجهاتنا، أو تباعدت أسفارنا، أو اختلفت أذواقنا، أو تباينت فرص استفادتنا من الذكريات.