سلطنة عمان هي الأقدر على حل الأزمة الخليجية
بقلم: جمال الكندي
الأزمة الخليجية مازالت مستمرة، وإن كانت أقل حدة من قبل، والوساطة الخليجية والإقليمية والعالمية تعمل من أجل حلحلة خيوطها المعقدة، وشربكت هذه الخيوط ناجم عن العقلية الخليجية التي تحمل معها تاريخ حافل من الأزمات القبلية والحدودية، والتي كانت لها دور في زيادة لهيب هذه الأزمة.
أخر تطورات الأزمة الخليجية زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردغان” إلى منطقة الخليج، والتي أستهلها بزيارة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وختمها بزيارة الحليف القطري، وكانت نتائج هذه الزيارة ليست بأحسن حال من الزيارة الأمريكية والأوروبية إلى المنطقة.
بعد هذه الوساطات المتعددة للأزمة الخليجية، والتي لم نجني ثمارها بعد طلعت علينا صحيفة “الواشنطن بوست” بمقالة تحت عنوان ” سلطنة عمان هي الأقدر على حل الأزمة الخليجية، حيث تناولت الصحيفة تاريخ سلطنة عمان الحافل في حل الأزمات التي مرت على المنطقة، وذكرت تميز السلطنة في إظهار حيادية حقيقية في التعاطي مع القضايا العربية، بدايةً من قضية اتفاقية “كامب ديفيد” والمعروف بأنها خلقت عزله عربية ضد مصر في تلك الفترة من قبل غالبية الدول العربية، ووقفت سلطنة عمان ضد هذه المقاطعة، فهي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر. سلطنة عمان كذلك لم تقطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فترة حربها مع العراق، فوقفت عمان على الحياد الإيجابي من هذه الحرب، وقضايا أخرى استحقت عمان فيها أن تأخذ لقب سويسرا العرب حسب رأي الصحيفة.
المقال جيد فهو يركز على مبدأ الاستقلالية السياسية العمانية، وعلى التوجه الحيادي لعمان في التعاطي مع قضايا المنطقة، وهذا بدأ واضحاً في الأزمة السورية واليمنية ومؤخراً الخليجية. تاريخ سلطنة عمان في سعيها لحل قضايا المنطقة يرتكز على قاعدة الصبر والنفس الطويل، والحيادية السياسية التامة، مع عدم إظهار البهرجة الإعلامية والتي تعتبر من أسباب فشل أي مفاوضات. لذلك كانت اللقاءات بين طرفي الأزمة النووية الإيرانية في سلطنة عمان سرية، وبسبب هذه السرية نجحت هذه المفاوضات.
المعطيات التي ذكرتها صحيفة “الوشنطن بوست” عن مقومات سلطنة عمان في صنع أي نجاح سياسي في حل قضايا المنطقة ليس بجديد على عمان، وقد تحدثت هذه الصحيفة وغيرها عن هذه الميزات ومن أهمها وقوف سلطنة عمان على خط واحد من أطراف النزاع في المنطقة العربية، سواءً في اليمن أو سوريا أو ليبيا فهي تعمل على سياسة حقن الدم العربي، وهذا كان واضحاً وذكرته صحيفة “الوشنطن بوست” في أزمة اليمن. هذه المقومات تؤهل سلطنة عمان بأن تكون هي في الواجهة لحل الأزمة الخليجية بعد فشل الوساطات الإقليمية والعالمية والعربية حسب راي الصحيفة.
لعل الاتصال الذي قام به الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الأخير مع السلطان قابوس وبعدها زيارة وزير سلطنة عمان لشؤون الخارجية ابن علوي إلى واشنطن علامات ودلالات أخذت بها جريدة الواشنطن بوست، فكتبت عن الدور المستقبلي لسلطنة عمان لحل أزمة الخليج، لما لها من تأثير في المنطقة بشخصية السلطان قابوس الذي هو اليوم يعتبر أقدم حاكم عربي وذو دراية كبيرةً بالواقع الخليجي والعربي وله مفاتيح حل معينة ربما يجهلها من أخذو على عاتقهم حل هذه الأزمة.
لذلك نرى الإدارة الأمريكية بادرت بطرق الباب العماني والتحدث إلى رأس هرمها السياسي، لعلمها بوجود نماذج ناجحة حققتها سلطنة عمان في حل أزمات المنطقة ونموذج الأزمة النووية الإيرانية شاهد على ذلك.
نجاح سلطنة عمان في حل أي أزمة في المنطقة هو ناجم عن سياسة اتبعتها السلطنة في التعامل مع قضايا المنطقة ، هذه السياسة ميزتها عن غيرها من الدول وأكسبتها احترام الجميع وهي الحيادية التامة ، وقد رأينا ذلك في أزمة اليمن وغيرها حيث إن عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تشارك في ما يسمى عاصفة الحزم ، ووجدت تفهم كبير من حلفاء السعودية في فهم المبررات العمانية لعدم المشاركة، فكانت الملتقى لأطراف النزاع اليمني ولم تفرق بين أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم، وبين قوات الرئيس هادي والمساعدات الطبية والإنسانية تصل لكليهما. وهذا الذي أدهشت العالم، فحفرت به سلطنة عمان أسمها بحروف من ذهب تحت عنوان المصداقية والحيادية.
هذه المقومات والتاريخ الحافل لسلطنة عمان هو الذي حرك صاحب صحيفة الواشنطن بوست للتحدث عن دور عماني مرتقب لحل الأزمة الخليجية، فتفاقم هذه الأزمة سوف ينتج لنا أزمة اجتماعية وسياسية كبرى في البنية الخليجية لا ندري إلى أين سوف تأخذنا، والمراحل القادمة لهذه الأزمة مجهولة التوجه، وسط هذا التعنت الخليجي من قبل أطرفها.
زيارة ابن علوي إلى واشنطن ولقاءه وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” بعد اتصال ترامب بالسلطان قابوس يوحي بأن عمان مستعدة للعب دور الوسيط السياسي الحيادي في الأزمة الخليجية، وطبعاً برعاية أمريكية، فهي حريصة على حل هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن، ولمعرفتها جيداً بأن هذه الأزمة إذا طالت فإنها سوف تغير من التحالفات في المنطقة، وهذا ما يقلقها. فهل سنرى مبادرة عمانية تنهي الأزمة الخليجية قريباً؟ نرجو ذلك.