رسالة من طفل منتهك!
بقلم:المحامية ميمونة السليمانية
“هل تعلمون شعور ليلة العيد أيها الكبار؟ هذا الشعور يعيشه الطفل السعيد كل ليلة وكل يوم..أقصى إهتماماته اللعب وجمال الحياة البريئة.
هكذا كانت حياتي اليومية على كل حال.. أذهب فرحا للمدرسة ..أنا أحبها وأحب أصحابي في الفصل ووقت اللعب والإفطار الجماعي..ودرس التربية البدنية متعتي وانتصاراتي.
ذهبت إلى المسجد مع إخوتي لأنني أحب صوت المؤذن.. أحب صوت قراءة القرآن..ولأن حنان أمي يتضاعف يوم الجمعة فتستقبلني ابتسامتها لتوقظني من حلم جميل لحلم أكثر جمالا برؤية وجهها..
ذهبنا مشياً على الأقدام لأن المسجد جارنا وقريب. نقاشنا الأسبوعي مع أخي في أي مساحة سنصلي وصحن المسجد قد إمتلأ؟ أحيانا القائمون على المسجد يقومون بتنظيم الأمر.. إلا أنهم ومنذ فترة بسيطة فتحوا مساحة إضافية بجانب المسجد للصلاة وفي نفس الوقت هروبا من الحر..هرولنا بعيدا عن الشمس وبدأت الصلاة..
غير أن أمرا غير معتاد كان بإنتظاري يفوق هروبي من الشمس.. وخلق رعبا على كاهلي الصغير وأعيش هروبي المؤلم كل مرة أزور مكاني الغالي.. المسجد!
هذا الجسد الذي يكبرني سنا يلاحقني ويضايقني ..لكن بصمت مطبق ثقيل..كيف لايلاحظه أحد وهو يحاوطني ..يحاوط تنفسي!؟ هل أنا صغير..جسدا و وجودا لهذه الدرجة؟!!”
بتوقيع: طفل برئ.
هذه رسالة صديقي الصغير .. حادثنا بعدها وليس في عينيه أدنى تردد من أنه يستوعب أن الإنتهاك المستمر له من قبل شخص يكبره سنا أمر غير عادل وأن المحيطين قصروا في حقه.. وأنه أضطر مجبورا أن يواصل الدفاع عن نفسه بأسلوبه الطفولي البسيط بالهروب والمقاومة الجسدية والإبتعاد عن أماكن تواجد هذا الوحش البشري كما هو معتاد من مجتمعاتنا وصفه.
إنما كما كان هو صريحا واثقا.. كنت كذلك على ثقة محزنة بأن هناك في العتمة فتيات وفتيان يتعرضون للإنتهاك الجسدي المستمر دون رادع والأسوأ أن يكون المنتهك من المقربين والعائلة. إن هذا هو الجحيم بحد ذاته. تساؤلي أين الأبوين؟ لماذا هذا الفراغ المظلم الذي يجعل الطفل أو الطفلة وحيدا أمام هذه الذئاب؟!! هل مبرراتنا الواهية بالإنشغال والعمل والإلتزامات بإمكانها الاستمرار والتملص المعتاد من واجبات رعاية الطفل أو الطفلة. هل نحن بالفعل نستوعب مفهوم رعاية الطفل وبأنه لايجوز غيابه عن “أنظارنا” لمدة تتجاوز ٥ دقائق بدون رقابة وإهتمام؟ هل تعلمون أن هتك عرض صبي أو إغتصاب فتاة لايتطلب أكثر من دقائق معدودة لاتتجاوز ٧ دقائق؟!! هذا الوقت القصير جدا.. يختصر براءة وطفولة وربما حياة مستقبلية يصاحبها الألم البدني والنفسي المستدام؟؟! لماذا لاتعنينا هذه الدقائق من الرعاية؟؟!!
وهنا أود مشاركتكم النصوص القانونية في تشريعات السلطنة التي تلزم الإبلاغ عن إنتهاك الطفل. حيث تنص المادة (٦٢) من قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٢٢ /٢٠١٤) على أن:
“لكــل شخــص الحــق فـي الإبــلاغ عن أي واقعــة تشكل عنفا ضد الطفل ، أو استغــلال له ، أو إساءة إليه ، أو انتهاكا لأي حق من حقوقه المنصوص عليها بهذا القانون . وعلــى لجــان حمايــة الطفل اتخاذ كافة التدابيـر اللازمـة لحمايـة المبلغ ، وعـدم الإفصـاح عن هويته” .
كما وضعت واجبا على فئة معينة للتبليغ بموجب طبيعة عملها حيث وفق المــادة (٦٣) من قانون الطفل فإنه “على الأطبــاء ، والمعلمين ، وغيرهم من الأشخــاص الذين يصل إلى علمهم بحكم مهنهم ، أو وظائفهـم ، أو أعمالهــم معلومــات بشأن وجود عنف ، أو استغــلال ، أو إسـاءة لأي طفل ، أو انتهاك لأي حق من حقوقه المنصوص عليها فـي هذا القانون إبلاغ لجان حماية الطفل” . مع تحفظى بأن القانون لايرتب عقوبة عن تقاعس هذه الفئة عن التبليغ للأسف!
وإجابتي لصديقي الصغير لست صغيرا لهذه الدرجة.. وجودك كبير كبير يا صديقي الشجاع.
ولأجل ألا يتعرض هذا الشجاع وغيره لمزيد من الإنتهاك الصامت أدرج لكم من التوصيات التي اقترحها لحماية الطفل وتقليل إحتمالات حدوث حالات من الإنتهاك ما يلي:
سن لوائح لكافة الأماكن العامة تلزم بالإشراف والرقابة على الأطفال من قبل شخص بالغ.
سن لوائح بوضع كاميرات مراقبة في كافة المرافق التي يرتادها الطفل بما في ذلك المساجد وأماكن الترفيه
استحداث ترخيص لكل من يعمل في أماكن الترفيه واللعب ودور السينما التي يرتادها أطفال تؤكد اختباره وخضوعه للتقييم والاستبعاد في حال وجود ملاحظات.
الإلتزام باستمرارية الخط الساخن لحماية الطفل ليصبح ٢٤ ساعة لمدة ٧ أيام يتولى إدارته طاقم محترف ومدرب ومرخص دوليا لمعالجة اتصالات الأطفال أو التبليغ. عوضا عن آلية العمل الحالية التي لاتتجاوز أوقات العمل الرسمي! فهل الطفل يداوم حتى يكون التوقيت بهذا الشكل؟!
استحداث سجل مركزي للإنتهاكات يحدد أسماء المنتهكين وحوادث الإنتهاك والبلاغات المسجلة ضد أشخاص معينة بحيث يتم اتخاذ إجراءات إدارية بشأن مسؤولية هؤلاء تفاديا لحالات عدم ثبوت الجرم عليهم وعدم إمكانية محاكمتهم. فإستبعاد المشكوك فيهم ضرورة حماية لحقوق الطفل.
اجعلوا المنتهك خلف القضبان وفق المادة ٧٢ من قانون الطفل ..اجعلوه محروما من حريته من ٥ إلى ١٥ سنة.. ويتكبد من ٥ آلاف إلى ١٠آلاف ريال رغم أن الغرامة لن تجبر طفلا منتهكا غير أنها عقوبة قد تردع هذا الوحش.
كفانا إهمالا ..كفانا صمتا فقد علمت صديقي الصغير ترديد هذه السطور:
“للطفــل الحق فـي التربيـة والبقاء والنمـو فـي إطــار من الحريــة والكرامـة الإنسانيـة ، وتقع مسؤولية ذلك على عاتق ولي الأمر”. لقد حفظ صديقي الصغير المادة ٢٧ من قانون الطفل فهل حفظناها نحن؟!