لسنا حالة طارئة
بقلم:د.رجب العويسي
إنّ المتتبع للمواقف العمانية المشرّفة في منظومة العلاقات الدولية والسلام العالمي، يجد بأنها قامت على أسس راسخة وقواعد متينة أصّلت لمنهج عماني متفرّد في التعامل مع الآخر، وحددت معايير العلاقات المتبادلة وضوابطها العادلة، بما يضمن تحقيق مسارات الثقة والاحترام والتكامل والتضامن، وبناء فرص أكبر لنمو مداخل العمل المشترك من أجل التنمية والإنسان، قائمة على مبادئ ثابتة ومنطلقات راقية، تحترم أولويات الإنسان وتقترب من طموحات الوعي لديه، وتتناغم مع مسار التطور والتقدم الذي ينشده، ماضية بقوة ثباتها لبلوغ الحق، وداعمة لروح التنوع، تنشد العدل، واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، تستهدف خير الإنسان وتنميته وتطويره، وبناء فرص أكبر له للعيش في سلام ووئام، وتناغم واطمئنان، لذلك كانت قواعد العمل العماني في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية واضحة لا تتغير، مفهومة لا تحتاج لتفسير، محسومة لا تقبل الاجتهادات الفردية، ممتدة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وطنية الهوية، عالمية العطاء، فمنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم في البلاد، والسياسة الخارجية العمانية معروفة من الصغير والكبير، والرجل والمرأة ، ممن هم في داخل الوطن وخارجه، وتأسيس ذلك كإطار وطني قائم في الطفل العماني، منذ نعومة أظافره، وهو يردد النشيد الوطني الجامع لكل عبارات الدعاء والثناء والشكر لله، لفضيلة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء للإنسانية أجمع، ويشدو بقيم الإخاء والحب والسلام، والولاء والانتماء، ويعرّج على أخلاق العمانيين، وسيرتهم الناصعة البياض، وعلاقاتهم الراقية مع بلدان العالم المختلفة، فهي سياسة لا تطاول فيها على أحد، ولا استغلال، ولا استنزاف أو انقطاع.
لقد شكّل النطق السامي لجلالته، منطلق عزز من حضور الوعي العماني في مفردة العلاقات الدولية، ولغة التقارب الإنساني والتعاون الدولي، وأعلن جلالته صراحة أمام شعبه، مواقفه من قضايا العالم المختلفة، وقراءاته لأحداثه المتنوعة، ومستجداته التي تتطلب مزيد من المهنية والدبلوماسية والحصافة والتأنّي في التعامل معها، بل كانت تنبؤات جلالته أعزه الله وحدسه بأحوال العالم في السنوات القادمة، إرهاصات ساهمت في تعزيز مواقف عمان وثباتها، واتجاهها نحو الحيادية الإيجابية، ومشاركة العالم في القضايا التي تهم شعوبه، فالحديث عن الإرهاب، والفكر المتطرف، والتحزبات السياسية والفكرية، وقضايا التنمية، وأهمية التنويع في مصادر الدخل، وانخفاض أسعار النفط ، وأهمية وقوف العالم أجمع أمام سلوك التهور في التعامل مع الأحداث، والعقلية المتسلطة للزج به نحو الحروب والدمار، وأن تتجه مسارات العمل الدولي، نحو بناء علاقات متكافئة وشراكات استراتيجية متناغمة، والالتزام بالمواثيق الدولية، باعتبارها الطريق السليم لحفظ العالم من الانجراف وراء سلوك التهور، وحل مشكلاته وقضاياه، وفق معايير الحوار، والسيادة الوطنية للبلدان، وغيرها كثير؛ رؤي ومنهجيات حياة، ذكّرت بها القيادة العمانية العالم، وأوضحت صورتها وتأثيرها على تقدم البشرية وتطورها.
وساهمت تلك الموجّهات في ضمان تأسيس قواعد ثابتة رصينة للسياسة العمانية، عزّزت من قدرتها على التعامل مع الأحداث، في ظل انفتاح محمود، وتواصل أقرب إلى تعميق الأخوة الإنسانية، ورعاية المصالح المشتركة، وحفاظ على الخصوصية والهوية، مع المحافظة على منظومة الاخلاق والقيم ،والمبادئ والمعتقدات والقناعات الايجابية، المؤصّلة لمنهج التعايش الانساني والتقارب الفكري، والحوار الحضاري المتكافئ الذي يعترف بالأخر حقوقه وواجباته، مع تقوية البيت الداخلي وتعزيز مساحات الأمان لكل التصرفات أو التوجهات التي تقود للتنمية، لتُبنى في ظل حكمة، وتُدار في إطار وعي، وتنفّذ بمهنية، وتدرَس بعمق، فإن هذه الأحداث التي عايشتها النهضة العمانية، في ظل حسم للكثير من الأمور، رسمت خريطة التنمية في عُمان، وبناء الدولة العمانية المعاصرة، وعززّت من دور القانون والتشريعات، في إدارة التحولات والسير بها قُدُما للتكيف مع المستجدات والمعطيات المحلية والاقليمية والدولية، فأوجدت مسارات مترابطة من العمل الوطني المسؤول، وأرضية خصبة لنمو فرص أكبر للحوار والتضامن ووحدة الهدفـ، ومداخل متعددة لتنوع البدائل وتعدد الآراء، والاستفادة من صوت المواطن، فانعكس ذلك على شكل الدولة، وأخلاقها السياسية، ودبلوماسية الخارجية العمانية.
عليه فإن من يقرأ سيناريو العمل العماني اليوم، ويعيد تسجيل أحداث التأريخ، وحال المنطقة العربية في سبعينات القرن الماضي وتسعينياته وحالها اليوم، يجد أن المواقف العمانية والدبلوماسية السياسية لها، تتسم بالثبات والقوة وعدم التغيير، فلسنا بذلك حالة صوتية منتهية، وليست السياسة العمانية اليوم، حالة طارئه أملتها الظروف، بل هو سلوك تأسّس على قراءة كل هذه الأحداث، والحدس بها قبل أربعة عقود وأكثر، وهي منهجية ستظل ثابته، لا يمكن المساومة بشأنها، أو تجاوز الحق الوطني فيها بأي شكل من الأشكال، كما أنّ عُمان وهي تُعطي أنموذجا في التناغم بين القيادة والشعب، لتضع في ذاكرتها الحضارية التي أسسّتها في أجيال الوطن، أن الاختلاف أمر واقع، وتضارب المصالح حالة متوقعة، وحدوث تعارض في وجهات النظر، أمر ممكن الحدوث، إلاّ أنه اختلاف يتسامى فوق كل الدنايا والسلبيات، ويترفع عن كل الممارسات الاعلامية والفكرية والسياسية، التي تضر بالهوية العمانية والأخلاق والقيم والمبادئ والمسؤوليات، أو النيل من كرامة الإنسان، أو الخدش في حياءه، أو السذاجة في التعامل مع حقوقه، أو التعدي على سيادة دوله، أو محاولة الإملاء والوصايا عليها، أو مصادرة الفكر بأي مسمّى وتحت أي ظرف، ومحاولة التأثير على النسيج الاجتماعي بأفكار خارجه عن الذوق العام والاحترام المتبادل، سلوكيات مرفوضه تماما في قاموس السياسة العمانية، فمآثر عمان وبصماتها المشهودة اليوم هي صنعها الذي أسسّته في أبنائها، وأصّلته في فكر إنسان هذا الوطن، أنموذجا للعالم أجمع ، في ثبات المبدأ، وصدق المنهج، ليهتدي به في خضم هذا البحر الهائج بتحدياته وتناقضاته، لتسير سفينة النجاة إلى بر الأمان، بإذن ربها .. بسم الله مجريها ومرساها.