فلنحترم حقوق الملكية الفكرية!
بقلم:المحامية ميمونة السليمانية
في زمن المعلومة المتاحة ..والكميات الهائلة من المعرفة التي سهلت توافرها التقنية..خلقت فئة أحسبها الأقلية بإذن الله في مجتمعنا إلا أنها تستحق التوقف عن انتهاكاتها القانونية لنتناقش ونتطور للأفضل.
إن حديثي هنا هو عن فئة “القص واللصق”.. قص ولصق بحوث دراسية.. قص ولصق أفكار ..قص ولصق أعمال تجارية..حتى التغريدات وردودها لم تسلم من الإنتهاك.
لايختلف عاقلان بأن “السرقة” تصرف غير إخلاقي لابل يرقى إلى جريمة في كل الأنظمة القانونية وكل المجتمعات المتقدمة. هذا لأنه يسلب حق مالك الشيء في التمتع الحر والحصري في مايملكه بكل عناصره المادية والمعنوية. غير أن السارق له وجهة نظر مغايرة بإستغلال ما لايملك وربما نسبته لنفسه!
إن المجتمعات المتحضرة انتقلت منذ أمد بعيد من الملكية المادية للأشياء كالنقود والعقارات والمنقولات إلى إمتلاك الفكرة..وإمتلاك النغمة..وإمتلاك الإختراع..وإمتلاك النظام التشغيلي (Software) الذي لولاه ما عملت أكثر الأجهزة الالكترونية تعقيدا وحساسية بدونها. فالملكية الفكرية على هذا متنوعة قد تكون ١) حقوق للمؤلف أو ٢) حقوق لحماية المصفنات الفنية بكافة أشكالها كالفنون التشكيلية من تصوير ورسم ونحت أو تلك ذات الطابع الموسيقي كاللحن أو الأغنية بمجملها. وقد تكون ذات بعد تجاري واقتصادي كحقوق الملكية الفكرية المتصلة ب ٣) العلامة التجارية والشعار أو ٤) الملكية الصناعية ومن أمثلتها الملكية الصناعية لمنتج دوائي أو صيدلاني أو تصميم هندسي مبتكر لمنزل أو بناء أو تطبيق للهواتف النقالة. إنها جميعها حقوق ملكية فكرية شرعت القوانين لحمايتها وسلطنة عمان ليست إستثناء من ذلك.
ما لايعمله ،أو ربما يتجاهله، منتهكو الملكيات الفكرية هو أننا نتمتع في سلطنة عمان بمنظومة تشريعية راقية تضمن حماية حقوق الملكية الفكرية من الإنتهاك. فوزارة التجارة والصناعة بذلت جهود مضنية للإنتقال بنا إلى أحدث التشريعات التي تتمثل قمة هرمها منظمة دولية هي ” المنظمة العالمية للملكية الفكرية “وايبو” WIPO” والتي ترتبط سلطنة عمان بعلاقة وثيقة معها من التسعينيات لأجل تحديث القوانين الوطنية ومواءمتها لآخر الاتفاقيات الدولية في مجال الملكية الفكرية والصناعية.
بينما هذا يحدث وآليات الحماية يتم تشريعها لحماية مالكي حقوق الملكية الفكرية تتزايد حالات الإنتهاك. فبضغطة زر على جهاز حاسوب أو هاتف نقال يدخل المنتهك لمئات الأفكار التي يستقصد بسوء نية وإستهتار إنتهاكها على الجاهز من أصحابها الغافلين الذين بذلوا جهود فكرية مضنية وربما تكبدوا نفقات مادية للوصول إلى الشكل النهائى للعلامة التجارية أو الفكرة أو اللحن أو تصوير لقطة فوتوغرافية أو تطوير مخطط هندسي. هؤلاء السارقين يجمعهم الكثير من القواسم المشتركة أهمها تجاهلهم لجهد الآخرين وربما إنكار قيامهم بالإنتهاك والإدعاء كذبا أسبقيتهم في الامتلاك! ومن خصالهم أيضا التعذر بتوارد الخواطر وأن هذا الإنتهاك هو محض صدفة ! كما قد يلجأ هؤلاء إلى تحوير الملكية بتغيير طفيف في اللون أو الأحرف بينما يستمر التشابه بينه وبين المنتج أو المصنف الأصلي قائما ويعد ذلك إنتهاكا.. أما أسوأ نوعيات منتهكي حقوق الملكية الفكرية فأولئك الذين يستخدمون نفوذهم إما للشهرة أو بالمال أو بكبريائهم للإستمرار في إنتهاك الملكية الفكرية على الرغم من محاولات أصحاب الملكية الفكرية إقناعهم بأسلوب متحضر بالتوقف دون أدنى مطالبة بالتعويض.
سأختم مقالي اليوم بمشاركتكم بعضا من التبعات القانونية لإنتهاك الملكية الفكرية وفق التشريعات العمانية.
فالمــادة ( 49 ) من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( ٢٠٠٦/٦٥) إعتبر انتهاك الملكية الفكرية للمؤلفين ” تصرفا جنائيا” وعليه أوكل مهمة مباشرة التحقيق فيه للإدعــاء الـعــام دون حــاجــة إلى شكــوى مــن صاحب الحق أو من يمثله أو طلب من الجهات الحكومية المعنية .
كما أن انتهاك الملكية الفكرية بموجب نفس القانون يترتب عليه:
عقوبات بالسجن قد تصل إلى ٣ سنوات و
غرامات مالية تصل إلى ١٠ آلاف ريال
ناهيك عن المطالبات بالتعويض و
نفقات إتلاف المنتجات المنتهكة و
منع دخول أو خروج المنتجات جمركيا من أو إلى السلطنة
التعويض عن الأضرار الأدبية التي يطالب بها مالك الحق و
استرداد كل الأرباح الناتجة عن الإنتهاك.
وبحسبة بسيطة وعقلانية.. فإن هذه التبعات “يفترض” أن تكون رادعا لكل من تسول له نفسه إنتهاك الملكية الفكرية أوالصناعية للغير سواء داخل أو خارج السلطنة.
إننا مطالبون كأفراد ومؤسسات محاربة فئة سارقي الملكيات الفكرية. قاطعوا منتجاتهم لأنها مبنية على إنتهاك حقوق الآخرين. أبلغوا المعنيين في دائرة الملكية الفكرية التابعة لوزارة التجارة أو دوائر حماية المستهلك المعنية والأهم بلغوا الإدعاء العام في حال تأكدكم من الإنتهاك ووجود إثبات لديكم بذلك. وأولئك المتواجدون على وسائل التواصل من السهل كشفهم. وجهوا إليهم النصح. لا تكونوا جزءا من الإنتهاك بردود أنانية لاحظت من القلة مبادلتنا إياها بقولهم: “عطوه فرصة”! ، و “ما جات عليه المسكين”! و “ما كان يعرف” كلها أعذار واهية وفي يوم ما كما تدين تدان. لذا فلنكن أكثر رقيا ونحترم حقوق الملكية الفكرية. فالملكية الفكرية مقياس تحضر المجتمع. إن أحد نصوص القانون تؤكد على أن حقوق المؤلف لاتقتصر على حقه المادي والمالي في أن يجني أباح من مؤلفه لابل يتعد ذلك إلى حق المؤلف “الأدبي” في نسبة ما قام بتأليفه إليه أي أن يتم تداول ونشر المؤلف بإسمه وبالطريقة التي يختارها وبالتوقيت الذي يشاء. لا بل أن من معايير بيئة الاستثمار السليم في أي مناخ اقتصادي هو مدى حماية الملكية الفكرية في بلد ما. لايعقل أن يأتي مستثمر تكبد تكاليف على هويته التجارية ليجد شريعة الغاب البدائية سارية في مناخ لا احترام فيه لهذه الملكيات والطريق لاسترجاعها طويل.
أختم المقال بالتذكير أن الملكية الفكرية سمعة للشخص وللمنتج وللبلد فلنرتق بحمايتها ونبذ كل من ينتهكها. قاطعوا سارقي الأسماء التجارية ..قاطعوا خفافيش السرقات الأدبية والفكرية ..قاطعوا سارقي التصاميم والمخططات. ودوما إسألوا قبل استخدامكم لأي من أشكال الملكية الفكرية من مالكها ؟ وطالبوا بمنحكم نسخة من شهادة الملكية الفكرية أو الصناعية لما تستخدمونه. أحيانا.. ستتفاجؤون بالإجابات!