قرشك الأبيض ليومك الأسود
بقلم:طلال الحراصي
هكذا قالوها من زمان ، إذخر قرشك الأبيض ليومك الأسود. أما من لا يذخر فستفوته فرص كثيرة.
والإدخار والتخطيط المالي الفردي والأسري أصبحت اليوم علم يدرس في الكثير من الجامعات وتفرد له الكثير من الدورات التدريبية. بل أصبح في كثير من الدول مستشارين ماليين متخصصين في التخطيط المالي للأفراد.
والإدخار والتخطيط المالي تزيد الحاجة إليه بإزدياد ما يقدم لنا في كل مكان من إعلانات وإغراءات للشراء وللإنفاق. بل ليس الإعلانات فقط، لكن حتى ما يسمى ب “برستيج” الحياة العصرية الذي فرض نفسه علينا على كافة المستويات وفي كل شيء.
وكثيرا ما سمعنا من يشتكي أن ما يحتاج أن يصرفه اكبر من ما يحصل عليه من مال سواءا من مرتب أو من إستثمار. ربما تكون مشكلة البعض واقعية، بينما بعضها يقع بين الواقعية وبين المبالغة.
وسواءا كانت المشكلة واقعية مستعصية أو كانت مصطنعة مبالغ فيها، فلكل حالة منها حلولها التي تناسبها، ولا توجد مشكلة بلا حل، ولكن إيجاد الحل عند البعض بحد ذاته مشكلة.
أن يكون لديك مرتب ثم تكون في جيبك بطاقة بنكية هذا قد يكون مربط فرس المشكلة في كثير من الأحيان. زمان، كان الذي تدفعه تراه بعينك ويسهل عليك حسابه باليد، بل وحتى عندما تذهب لمكينة السحب فأنت تعرف كم سحبت وكم بقي في رصيدك. اليوم تشتري ما تريد وتدفع بالبطاقة البنكية، وفي أخر اليوم لا تكلف نفسك بحساب كم صرفت وكم بقي لديك، لأن في معظم الأحيان ” ما عندك وقت”.
أما مربط الفرس في بعض المشاكل المالية الأخرى هي الإتكالية. الكثير أصبح يتكل على مرتبه فقط. تنتظره بشوق وبفارغ الصبر نهاية كل شهر – إدمان. البعض الأخر تحرر من رباط الراتب وأوجد لنفسه مصدر رزق أخر، حتى أن البعض – ما شاء الله – أصبح لا يعرف كم راتبه، لأنه يصرف من مصدر رزقه الثاني أما الراتب فيذهب في حساب التوفير. وللأسف، البعض الأخر لا يزال يفكر في بداية مشروع مصدر رزقه الثاني، ولكن طال التفكير ولم يبدأ التنفيذ . إذا لم تبدأ الخطوة الأولى فلن تبدأ – ولكن بحذر حتى لا تسقطك خطواتك الأولى، وكما في المثل العماني “جاي يكحلها قلع عينها”.
الإستهلاك يجب أن تحكمه نقطتين أساسيتين. الأولى هي الضروريات والثانية هي الرغبات أو التكميليات. الضروريات تندرج تحتها المأكل والمشرب والملبس والسكن الملائم والتعليم والصحة وما في حكم هذه الضروريات التي لا تستقيم الحياة بدونها. اما الرغبات فهي كل ما عدا ذلك وتندرج تحتها كل أنواع الترفيه، حتى الترفيه في الضروريات يحولها من ضروريات إلى رغبات. فمثلا الماء من الضروريات، اما الماء بنكهة الفواكه فهو رغبات. أن يكون لك وسيلة نقل بقدر ميزانيتك هو من الضروريات أما أن تكون لديك سيارة فارهة تتسلف لأجلها فوق طاقتك فهو رغبات. وقد قيل، إذا غلبت رغباتك على ضرورياتك فسوف يأتي عليك يوم لا تجد ما تدفعه لضرورياتك.
وفي هذه الأيام المباركة، رمضان الذي شارف على الرحيل أو عيد الفطر الذي على الأبواب وعيد الأضحى القريب والإجازة والإستعدا للمدارس، كلها مناسبات جميلة على القلب ولكن للأسف أصبحت لدى الكثيرين ثقيلة على الجيب وذلك لأن الثقافة الإستهلاكية مغيبة بشكل كبير.
وهذه دعوة للجميع أن يخطط بالشكل السليم لإستقبال كل مناسبة بميزانية محدودة لا يتعداها، بدون إسراف ولا تضيق. مقارنة نفسك بالأخرين ليس شيئا سليما في مسألة الإنفاق لأن ما لديك يختلف عن ما لدى غيرك، ولن تجد شخصين تعرفهم لديهم نفس المبلغ في حسابهم البنكي. وبالتالي ما يصلح لك قد لا يصلح لغيرك. والمقارنة في ما لدى الغير وما لديك يجب أن يكون سببا منك للإجتهاد في الإدارة الأمثل لمواردك بدلا أن يكون دافعا لك أن تكلف نفسك فوق طاقتها في الإنفاق لتشابه نفسك بغيرك.
وقبل الختام، تذكر أن كل هذه المناسبات، هي مناسبات للعطاء أيضا. فالفرحة يجب أن تعم الجميع لتكون فرحة. ليكن عطائك سببا في أن يفرح الجميع بالعيد. ولترسم السعادة على شفاه أطفالك وكل طفل يمكن أن تمتد له يد عطائك. وليكن لأولئك الذين قدر الله لهم أن يكونوا في المستشفى نصيب من عطائك بزيارتك لهم وزرع الفرحة في قلوبهم ليشاركونا الفرح، فالفرح لا يحده مكان بل ينشره الشعور بالإنتماء للجميع.
ولأجل المحافظة على ديمومة عطائك فلابد من الإتزان في الإنفاق بدون إسراف ولا تضييق، وتذكر ان بعد عيد الفطر عيد الأضحى وما بينهما ربما إجازة مع عائلتك ثم الإستعداد للمدارس. وكلما أجدت في إدارة مالك وخططت في إدارة مدخراتك وإستثماراتك الفردية والعائلية ولو بأبسط أنواع الإستثمار، كل ما بقيت يدك ممتدة بالعطاء.
وتذكر أن ترسم لنفسك خطة مالية إستراتيجية كبناء منزل أو إستثمار في أي نوع من أنواع الإستثمار المتاحة والمشروعة والتي تفهم فيها. وأن ترسم لنفسك خطة سنوية لتحقيق خطتك الإستراتيجية. وأن تراجع خططك بداية ونهاية كل شهر.
تقبل الله صيامكم، وكل عام وأنتم بخير.